ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا )
القول في تأويل قوله تعالى (
قال أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وفرض واجب لله على من استطاع من أهل التكليف السبيل إلى حج بيته الحرام الحج إليه .
وقد بينا فيما مضى معنى "الحج" ، ودللنا على صحة ما قلنا من معناه ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله عز وجل : " من استطاع إليه سبيلا " ، وما ؟ السبيل التي يجب مع استطاعتها فرض الحج
فقال بعضهم : هي الزاد والراحلة .
ذكر من قال ذلك :
7474 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار قال : أخبرنا محمد بن بكر قال : قال ابن جريج رضي الله عنه : "من عمر بن الخطاب استطاع إليه سبيلا " قال : الزاد والراحلة .
7475 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا قال : أخبرنا محمد بن بكر ابن [ ص: 38 ] جريج قال : قال : الزاد والراحلة . عمرو بن دينار
7476 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا عن وكيع ، أبي جناب ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : " من استطاع إليه سبيلا " ، قال : الزاد والبعير .
7477 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، والسبيل أن يصح بدن العبد ، ويكون له ثمن زاد وراحلة من غير أن يجحف به .
7478 - حدثنا خلاد بن أسلم قال : حدثنا النضر بن شميل قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي عبد الله البجلي قال : سألت سعيد بن جبير عن قوله : " من استطاع إليه سبيلا " ، قال قال ابن عباس : من ملك ثلاثمائة درهم فهو السبيل إليه .
7479 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو عاصم ، عن إسحاق بن عثمان قال : سمعت عطاء يقول : السبيل ، الزاد والراحلة .
7480 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن السدي : أما " من استطاع إليه سبيلا " ، فإن ابن عباس قال : السبيل ، راحلة وزاد .
7481 - حدثني المثنى وأحمد بن حازم قالا حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن سوقة ، عن سعيد بن جبير : "من استطاع إليه سبيلا " ، قال : الزاد والراحلة . [ ص: 39 ]
7482 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : أخبرنا الربيع بن صبيح ، عن الحسن ، قال : الزاد والراحلة .
7483 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جرير ، عن منصور ، عن الحسن قال : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، فقال رجل : يا رسول الله ، ما السبيل ؟ قال : الزاد والراحلة . قرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية : "
واعتل قائلو هذه المقالة بأخبار رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو ما قالوا في ذلك .
ذكر الرواية بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
7484 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا إبراهيم بن يزيد الخوزي قال : سمعت يحدث ، عن محمد بن عباد بن جعفر ابن عمر قال : " . [ ص: 40 ] قام رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ما السبيل ؟ قال : "الزاد والراحلة
7485 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا سفيان ، عن إبراهيم الخوزي ، عن عن محمد بن عباد ، ابن عمر : من استطاع إليه سبيلا " ، قال : السبيل إلى الحج ، الزاد والراحلة . أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله عز وجل : "
7486 - حدثنا حميد بن مسعدة قال : حدثنا بشر بن المفضل قال : حدثنا يونس وحدثني يعقوب بن إبراهيم قال : حدثنا عن ابن علية ، يونس عن الحسن قال : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، قالوا : يا رسول الله ، ما السبيل ؟ قال . "الزاد والراحلة . [ ص: 41 ] قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
7487 - حدثنا أبو عثمان المقدمي والمثني بن إبراهيم قالا : حدثنا مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو بن مسلم الباهلي قال : حدثنا أبو إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " الآية . من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله فلم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا ، وذلك أن الله عز وجل يقول في كتابه : "
7488 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، [ ص: 42 ] عن الحسن قال : . بلغنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال له قائل ، أو رجل : يا رسول الله ، ما السبيل إليه ؟ قال : من وجد زادا وراحلة
7489 - حدثنا أحمد بن الحسن الترمذي قال : حدثنا قال : حدثنا شاذ بن فياض البصري هلال أبو هاشم ، عن عن أبي إسحاق الهمداني ، الحارث ، عن رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علي بن أبي طالب ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " الآية . من ملك زادا وراحلة فلم يحج مات يهوديا أو نصرانيا . وذلك أن الله يقول في كتابه : "
7490 - حدثني أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن قتادة وحميد ، عن الحسن ، . أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما السبيل إليه ؟ قال : الزاد والراحلة
7491 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار الحجاج بن المنهال قال : حدثنا [ ص: 43 ] حماد ، عن قتادة ، عن الحسن ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .
وقال آخرون : السبيل التي إذا استطاعها المرء كان عليه الحج : الطاقة للوصول إليه . قالوا : وذلك قد يكون بالمشي وبالركوب ، وقد يكون مع وجودهما العجز عن الوصول إليه : بامتناع الطريق من العدو الحائل ، وبقلة الماء ، وما أشبه ذلك . قالوا : فلا بيان في ذلك أبين مما بينه الله عز وجل ، بأن يكون مستطيعا إليه السبيل ، وذلك : الوصول إليه بغير مانع ولا حائل بينه وبينه ، وذلك قد يكون بالمشي وحده وإن أعوزه المركب ، وقد يكون بالمركب وغير ذلك .
ذكر من قال ذلك :
7492 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الرحمن بن مهدي قال : حدثنا سفيان ، عن خالد بن أبي كريمة ، عن رجل ، عن ابن الزبير قوله : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قال : على قدر القوة .
7493 - حدثنا يحيى بن أبي طالب قال : أخبرنا يزيد قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك في قوله : " من استطاع إليه سبيلا " ، قال : الزاد والراحلة ، فإن كان شابا صحيحا ليس له مال ، فعليه أن يؤاجر نفسه بأكله وغفته حتى يقضي حجته به ، فقال له قائل : كلف الله الناس أن يمشوا إلى البيت ؟ فقال : لو أن لبعضهم ميراثا بمكة ، أكان تاركه ؟ والله لانطلق إليه ولو حبوا!! كذلك يجب عليه الحج .
7494 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار قال : أخبرنا محمد بن بكر ابن [ ص: 44 ] جريج قال : قال عطاء : من وجد شيئا يبلغه ، فقد وجد سبيلا كما قال الله عز وجل : . " من استطاع إليه سبيلا " .
7495 - حدثنا أحمد بن حازم قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا أبو هانئ قال : سئل عامر عن هذه الآية : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ؟ قال : السبيل ، ما يسره الله .
7496 - حدثني محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر الحنفي قال : حدثنا عباد ، عن الحسن : من وجد شيئا يبلغه فقد استطاع إليه سبيلا .
وقال آخرون : السبيل إلى ذلك : الصحة .
ذكر من قال ذلك :
7497 - حدثنا محمد بن حميد ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم والمثنى بن إبراهيم قالوا ، حدثنا قال : حدثنا أبو عبد الرحمن المقرئ حيوة بن شريح وابن لهيعة قالا أخبرنا شرحبيل بن شريك المعافري : أنه سمع يقول في هذه الآية : " عكرمة مولى ابن عباس ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، قال : السبيل الصحة .
وقال آخرون بما : -
7498 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قول الله عز وجل : " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " ، قال : من وجد قوة في النفقة والجسد والحملان . قال : وإن كان في جسده ما لا يستطيع [ ص: 45 ] الحج ، فليس عليه الحج ، وإن كان له قوة في مال ، كما إذا كان صحيح الجسد ولا يجد مالا ولا قوة ، يقولون : لا يكلف أن يمشي .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، قول من قال بقول ابن الزبير : إن ذلك على قدر الطاقة . لأن "السبيل " في كلام العرب : الطريق ، فمن كان واجدا طريقا إلى الحج لا مانع له منه من زمانة ، أو عجز ، أو عدو ، أو قلة ماء في طريقه ، أو زاد ، أو ضعف عن المشي ، فعليه فرض الحج ، لا يجزيه إلا أداؤه . فإن لم يكن واجدا سبيلا أعني بذلك : فإن لم يكن مطيقا الحج ، بتعذر بعض هذه المعاني التي وصفناها عليه فهو ممن لا يجد إليه طريقا ولا يستطيعه . لأن الاستطاعة إلى ذلك ، هو القدرة عليه . ومن كان عاجزا عنه ببعض الأسباب التي ذكرنا أو بغير ذلك ، فهو غير مطيق ولا مستطيع إليه السبيل . وعطاء
وإنما قلنا : هذه المقالة أولى بالصحة مما خالفها ، لأن الله عز وجل لم يخصص ، إذ ألزم الناس فرض الحج ، بعض مستطيعي السبيل إليه بسقوط فرض ذلك عنه . فذلك على كل مستطيع إليه سبيلا بعموم الآية .
فأما الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك بأنه : " الزاد والراحلة " ، فإنها أخبار في أسانيدها نظر ، لا يجوز الاحتجاج بمثلها في الدين .
قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة "الحج " .
فقرأ ذلك جماعة من قرأة أهل المدينة والعراق بالكسر : ( ولله على الناس حج البيت ) .
وقرأ ذلك جماعة أخر منهم بالفتح : ( ولله على الناس حج البيت ) .
وهما لغتان معروفتان للعرب ، فالكسر لغة أهل نجد ، والفتح لغة أهل العالية . ولم نر أحدا من أهل العربية ادعى فرقا بينهما في معنى ولا غيره ، غير ما ذكرنا من اختلاف اللغتين; إلا ما : -
7499 - حدثنا به أبو هشام الرفاعي قال : قال "الحج " . مفتوح ، اسم ، "والحج " مكسور ، عمل . حسين الجعفي
وهذا قول لم أر أهل المعرفة بلغات العرب ومعاني كلامهم يعرفونه ، بل رأيتهم مجمعين على ما وصفت ، من أنهما لغتان بمعنى واحد .
والذي نقول به في قراءة ذلك : أن القراءتين إذ كانتا مستفيضتين في قراءة أهل الإسلام ، ولا اختلاف بينهما في معنى ولا غيره فهما قراءتان قد جاءتا مجيء الحجة ، فبأي القراءتين - أعني : بكسر "الحاء " من "الحج " أو فتحها - قرأ القارئ فمصيب الصواب في قراءته .
وأما "من " التي مع قوله : " من استطاع " ، فإنه في موضع خفض على الإبدال من "الناس " . لأن معنى الكلام : ولله على من استطاع من الناس سبيلا إلى حج البيت ، حجه . فلما تقدم ذكر "الناس " قبل "من " ، بين بقوله : " من استطاع إليه سبيلا " ، الذي عليه فرض ذلك منهم . لأن فرض ذلك على بعض الناس دون جميعهم .