القول في تأويل قوله ( إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط ( 120 ) )
قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " إن تمسسكم حسنة تسؤهم " ، إن تنالوا ، أيها المؤمنون ، سرورا بظهوركم على عدوكم ، وتتابع الناس في الدخول في دينكم ، وتصديق نبيكم ومعاونتكم على أعدائكم يسؤهم . وإن تنلكم مساءة بإخفاق سرية لكم ، أو بإصابة عدو لكم منكم ، أو اختلاف يكون بين جماعتكم يفرحوا بها . كما : -
7705 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها " ، فإذا رأوا من أهل الإسلام ألفة وجماعة وظهورا على عدوهم ، غاظهم ذلك وساءهم ، وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا ، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين ، سرهم [ ص: 156 ] ذلك وأعجبوا به وابتهجوا به . فهم كلما خرج منهم قرن أكذب الله أحدوثته ، وأوطأ محلته ، وأبطل حجته ، وأظهر عورته ، فذاك قضاء الله فيمن مضى منهم وفيمن بقي إلى يوم القيامة .
7706 - حدثت عن عمار قال : حدثنا ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، قوله : " إن تمسسكم حسنة تسؤهم وإن تصبكم سيئة يفرحوا بها " ، قال : هم . وإذا رأوا من أهل الإسلام فرقة واختلافا ، أو أصيب طرف من أطراف المسلمين ، سرهم ذلك وأعجبوا به . قال الله عز وجل : " المنافقون ، إذا رأوا من أهل الإسلام جماعة وظهورا على عدوهم ، غاظهم ذلك غيظا شديدا وساءهم وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا إن الله بما يعملون محيط " .
7707 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قوله : " ابن جريج ، إن تمسسكم حسنة تسؤهم " ، قال : إذا رأوا من المؤمنين جماعة وألفة ساءهم ذلك ، وإذا رأوا منهم فرقة واختلافا فرحوا .
وأما قوله : " وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا " ، فإنه يعني بذلك جل ثناؤه : وإن تصبروا ، أيها المؤمنون ، على طاعة الله واتباع أمره فيما أمركم به ، واجتناب ما نهاكم عنه : من اتخاذ بطانة لأنفسكم من هؤلاء اليهود الذين وصف الله صفتهم من دون المؤمنين ، وغير ذلك من سائر ما نهاكم "وتتقوا " ربكم ، فتخافوا التقدم بين يديه فيما ألزمكم وأوجب عليكم من حقه وحق رسوله " لا يضركم كيدهم شيئا " ، أي : كيد هؤلاء الذين وصف صفتهم .
ويعني ب "كيدهم " ، غوائلهم التي يبتغونها للمسلمين ، ومكرهم بهم ليصدوهم عن الهدى وسبيل الحق . [ ص: 157 ]
قال أبو جعفر : واختلف القرأة في قراءة قوله : " لا يضركم " .
فقرأ ذلك جماعة من أهل الحجاز وبعض البصريين : ( لا يضركم ) مخففة بكسر "الضاد " ، من قول القائل : "ضارني فلان فهو يضيرني ضيرا " . وقد حكي سماعا من العرب : "ما ينفعني ولا يضورني " ، فلو كانت قرئت على هذه اللغة لقيل : ( لا يضركم كيدهم شيئا ) ، ولكني لا أعلم أحدا قرأ به " .
وقرأ ذلك جماعة من أهل المدينة وعامة قرأة أهل الكوفة : ( لا يضركم كيدهم شيئا ) بضم "الضاد " وتشديد "الراء " ، من قول القائل : ضرني فلان فهو يضرني ضرا " .
وأما الرفع في قوله : " لا يضركم " ، فمن وجهين .
أحدهما : على إتباع "الراء " في حركتها - إذ كان الأصل فيها الجزم ، ولم يمكن جزمها لتشديدها - أقرب حركات الحروف التي قبلها . وذلك حركة "الضاد " وهي الضمة ، فألحقت بها حركة الراء لقربها منها ، كما قالوا : "مد يا هذا " .
والوجه الآخر من وجهي الرفع في ذلك : أن تكون مرفوعة على صحة ، وتكون "لا " بمعنى "ليس " ، وتكون "الفاء " التي هي جواب الجزاء ، متروكة لعلم السامع بموضعها .
وإذا كان ذلك معناه ، كان تأويل الكلام : وإن تصبروا وتتقوا ، فليس يضركم كيدهم شيئا - ثم تركت "الفاء " من قوله : " لا يضركم كيدهم " ، ووجهت "لا " إلى معنى "ليس " ، كما قال الشاعر :
فإن كان لا يرضيك حتى تردني إلى قطري ، لا إخالك راضيا [ ص: 158 ]
ولو كانت "الراء " محركة إلى النصب والخفض ، كان جائزا ، كما قيل : "مد يا هذا ، ومد .
وقوله : " إن الله بما يعملون محيط " ، يقول جل ثناؤه : إن الله بما يعمل هؤلاء الكفار في عباده وبلاده من الفساد والصد عن سبيله ، والعداوة لأهل دينه ، وغير ذلك من معاصي الله "محيط " بجميعه ، حافظ له ، لا يعزب عنه شيء منه ، حتى يوفيهم جزاءهم على ذلك كله ، ويذيقهم عقوبته عليه .