القول في وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين ( 140 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يعني بذلك تعالى ذكره : وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء نداولها بين الناس .
ولو لم يكن في الكلام "واو " ، لكان قوله : "ليعلم " متصلا بما قبله ، وكان "وتلك الأيام نداولها بين الناس " ، ليعلم الله الذين آمنوا . ولكن لما دخلت "الواو " فيه ، آذنت بأن الكلام متصل بما قبلها ، وأن بعدها خبرا مطلوبا ، واللام التي في قوله : "وليعلم " ، به متعلقة . [ ص: 242 ]
فإن قال قائل : وكيف قيل : "وليعلم الله الذين آمنوا " معرفة ، وأنت لا تستجيز في الكلام : "قد سألت فعلمت عبد الله " ، وأنت تريد : علمت شخصه ، إلا أن تريد : علمت صفته وما هو ؟
قيل : إن ذلك إنما جاز مع "الذين " ، لأن في "الذين " تأويل "من " و "أي " ، وكذلك جائز مثله في "الألف واللام " ، كما قال تعالى ذكره : ( فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ) [ سورة العنكبوت : 3 ] ، لأن في "الألف واللام " من تأويل "أي " ، و "من " ، مثل الذي في "الذي " . ولو جعل مع الاسم المعرفة اسما فيه دلالة على "أي " ، جاز ، كما يقال : "سألت لأعلم عبد الله من عمرو " ، ويراد بذلك : لأعرف هذا من هذا .
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام : وليعلم الله الذين آمنوا منكم ، أيها القوم ، من الذين نافقوا منكم ، نداول بين الناس فاستغنى بقوله : "وليعلم الله الذين آمنوا منكم " ، عن ذكر قوله : "من الذين نافقوا " ، لدلالة الكلام عليه . إذ كان في قوله : "الذين آمنوا " تأويل "أي " على ما وصفنا . فكأنه قيل : وليعلم الله أيكم المؤمن ، كما قال جل ثناؤه : ( لنعلم أي الحزبين أحصى ) [ سورة الكهف : 12 ] غير أن "الألف واللام " ، و "الذي " و "من " إذا وضعت مع العلم موضع "أي " ، نصبت بوقوع العلم عليه ، كما قيل : "وليعلمن الكاذبين " ، فأما "أي " فإنها ترفع .
قال أبو جعفر : وأما قوله : "ويتخذ منكم شهداء " ، فإنه يعني : " [ ص: 243 ] وليعلم الله الذين آمنوا " وليتخذ منكم شهداء ، أي : ليكرم منكم بالشهادة من أراد أن يكرمه بها .
"والشهداء " جمع "شهيد " ، كما : -
7912 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، أي : ليميز بين المؤمنين والمنافقين ، وليكرم من أكرم من أهل الإيمان بالشهادة .
7913 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك قراءة على في قوله : " ابن جريج وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، قال : فإن المسلمين كانوا يسألون ربهم : "ربنا أرنا يوما كيوم بدر نقاتل فيه المشركين ، ونبليك فيه خيرا ، ونلتمس فيه الشهادة "! فلقوا المشركين يوم أحد ، فاتخذ منهم شهداء .
7914 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، فكرم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوهم ، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله .
7915 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن : " ابن جريج وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، قال : قال ابن عباس : كانوا يسألون الشهادة ، فلقوا المشركين يوم أحد ، فاتخذ منهم شهداء .
7916 - حدثني عن الحسين بن الفرج قال سمعت أبا معاذ قال : أخبرنا عبيد بن سليمان قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء " ، كان المسلمون يسألون ربهم أن يريهم يوما كيوم بدر ، يبلون فيه خيرا ، ويرزقون فيه الشهادة ، ويرزقون الجنة والحياة والرزق ، فلقوا المشركين [ ص: 244 ] يوم أحد ، فاتخذ الله منهم شهداء ، وهم الذين ذكرهم الله عز وجل فقال : ( ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات ) الآية ، [ سورة البقرة : 154 ] .
قال أبو جعفر : وأما قوله : "والله لا يحب الظالمين " ، فإنه يعني به : الذين ظلموا أنفسهم بمعصيتهم ربهم ، كما : -
7917 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " والله لا يحب الظالمين " ، أي : الذي يظهرون بألسنتهم الطاعة ، وقلوبهم مصرة على المعصية . المنافقين