القول في تأويل قوله ( يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا )
قال أبو جعفر : يعني بذلك الطائفة المنافقة التي قد أهمتهم أنفسهم ، يقولون : ليس لنا من الأمر من شيء ، قل إن الأمر كله لله ، ولو كان لنا من الأمر شيء ما خرجنا لقتال من قاتلنا فقتلونا . كما : -
8093 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قال : قيل ابن جريج لعبد الله بن أبي : قتل بنو الخزرج اليوم! قال : وهل لنا من الأمر من شيء؟ قيل إن الأمر كله لله! .
وهذا أمر مبتدأ من الله عز وجل ، يقول لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل ، يا محمد ، لهؤلاء المنافقين : " إن الأمر كله لله " ، يصرفه كيف يشاء ويدبره كيف يحب .
ثم عاد إلى الخبر عن ذكر نفاق المنافقين ، فقال : " يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك " يقول : يخفي ، يا محمد ، هؤلاء المنافقون الذين وصفت لك صفتهم ، في أنفسهم من الكفر والشك في الله ، ما لا يبدون لك . ثم أظهر نبيه صلى الله عليه وسلم على ما كانوا يخفونه بينهم من نفاقهم ، والحسرة التي أصابتهم على حضورهم مع المسلمين مشهدهم بأحد ، فقال مخبرا عن قيلهم الكفر وإعلانهم النفاق بينهم : " يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا " ، يعني بذلك ، أن هؤلاء المنافقين يقولون : لو كان الخروج إلى حرب من خرجنا لحربه من المشركين إلينا ، ما خرجنا [ ص: 323 ] إليهم ، ولا قتل منا أحد في الموضع الذي قتلوا فيه بأحد .
وذكر أن ممن قال هذا القول ، معتب بن قشير ، أخو بني عمرو بن عوف .
ذكر الخبر بذلك :
8094 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، قال : قال ابن إسحاق : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن الزبير قال : والله إني لأسمع قول معتب بن قشير ، أخي بني عمرو بن عوف ، والنعاس يغشاني ، ما أسمعه إلا كالحلم حين قال : لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا !
8095 - حدثني سعيد بن يحيى الأموي قال : حدثني أبي ، عن ابن إسحاق قال : حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، بمثله .
قال أبو جعفر : واختلفت القراء في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة الحجاز والعراق : ( قل إن الأمر كله ) ، بنصب"الكل" على وجه النعت ل"الأمر" والصفة له .
وقرأه بعض قرأة أهل البصرة : ( قل إن الأمر كله لله ) برفع"الكل" ، على توجيه"الكل" إلى أنه اسم ، وقوله"لله" خبره ، كقول القائل : "إن الأمر بعضه لعبد الله . .
وقد يجوز أن يكون"الكل" في قراءة من قرأه بالنصب ، منصوبا على البدل .
[ ص: 324 ]
قال أبو جعفر : والقراءة التي هي القراءة عندنا ، النصب في"الكل" لإجماع أكثر القرأة عليه ، من غير أن تكون القراءة الأخرى خطأ في معنى أو عربية . ولو كانت القراءة بالرفع في ذلك مستفيضة في القرأة ، لكانت سواء عندي القراءة بأي ذلك قرئ ، لاتفاق معاني ذلك بأي وجهيه قرئ .