قال تأويل قوله ( أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله وأقروا بما جاء به محمد من عند الله ، لا تكونوا كمن كفر بالله وبرسوله ، فجحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال لإخوانه من أهل الكفر" إذا ضربوا في الأرض " [ ص: 331 ] فخرجوا من بلادهم سفرا في تجارة"أو كانوا غزى" ، يقول : أو كان خروجهم من بلادهم غزاة فهلكوا فماتوا في سفرهم ، أو قتلوا في غزوهم" لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا " ، يخبر بذلك عن قول هؤلاء الكفار أنهم يقولون لمن غزا منهم فقتل ، أو مات في سفر خرج فيه في طاعة الله ، أو تجارة : لو لم يكونوا خرجوا من عندنا ، وكانوا أقاموا في بلادهم ما ماتوا وما قتلوا" ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم " ، يعني : أنهم يقولون ذلك ، كي يجعل الله قولهم ذلك حزنا في قلوبهم وغما ، ويجهلون أن ذلك إلى الله جل ثناؤه وبيده .
وقد قيل : إن الذين نهى الله المؤمنين بهذه الآية أن يتشبهوا بهم فيما نهاهم عنه من سوء اليقين بالله ، هم عبد الله بن أبي ابن سلول وأصحابه .
ذكر من قال ذلك :
8107 - حدثني محمد قال : حدثنا أحمد قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي ياأيها الذين آمنو لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم " الآية ، قال : هؤلاء المنافقون أصحاب عبد الله بن أبي .
8108 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله : " وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى " ، قول المنافق عبد الله بن أبي ابن سلول .
8109 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون في ذلك : هم جميع المنافقين .
ذكر من قال ذلك :
8110 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " [ ص: 332 ] يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم " الآية ، أي : لا تكونوا كالمنافقين الذين ينهون إخوانهم عن الجهاد في سبيل الله والضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله ، ويقولون إذا ماتوا أو قتلوا : لو أطاعونا ما ماتوا وما قتلوا .
وأما قوله : "إذا ضربوا في الأرض" ، فإنه اختلف في تأويله . فقال بعضهم : هو السفر في التجارة ، والسير في الأرض لطلب المعيشة .
ذكر من قال ذلك :
8111 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : " السدي إذا ضربوا في الأرض " ، وهي التجارة .
وقال آخرون : بل هو السير في طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم .
ذكر من قال ذلك :
8112 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " إذا ضربوا في الأرض " ، الضرب في الأرض في طاعة الله وطاعة رسوله .
وأصل"الضرب في الأرض" ، الإبعاد فيها سيرا .
وأما قوله : "أو كانوا غزى" ، فإنه يعني : أو كانوا غزاة في سبيل الله .
و"الغزى" جمع"غاز" ، جمع على"فعل" كما يجمع"شاهد""شهد" ، و"قائل""قول" ، . وقد ينشد بيت رؤبة :
[ ص: 333 ]
فاليوم قد نهنهني تنهنهي وأول حلم ليس بالمسفه وقول : إلا ده فلا ده
وقولهم : إلا ده فلا ده
وإنما قيل : " لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض أو كانوا غزى " ، فأصحب ماضي الفعل ، الحرف الذي لا يصحب مع الماضي منه إلا المستقبل ، فقيل : " وقالوا لإخوانهم " ، ثم قيل : " إذا ضربوا" ، وإنما يقال في الكلام : "أكرمتك إذ زرتني" ، ولا يقال : "أكرمتك إذا زرتني" . لأن"القول" الذي في قوله : "وقالوا لإخوانهم" ، وإن كان في لفظ الماضي فإنه بمعنى [ ص: 334 ] المستقبل . وذلك أن العرب تذهب ب"الذين" مذهب الجزاء ، وتعاملها في ذلك معاملة"من" و"ما" ، لتقارب معاني ذلك في كثير من الأشياء ، وإن جميعهن أشياء مجهولات غير موقتات توقيت"عمرو" و"زيد" . .
فلما كان ذلك كذلك وكان صحيحا في الكلام فصيحا أن يقال للرجل : "أكرم من أكرمك""وأكرم كل رجل أكرمك" ، فيكون الكلام خارجا بلفظ الماضي مع"من" ، و"كل" ، مجهولين ومعناه الاستقبال ، إذ كان الموصوف بالفعل غير مؤقت ، وكان"الذين" في قوله : "لا تكونوا كالذين كفروا وقالوا لإخوانهم إذا ضربوا في الأرض" ، غير موقتين ، أجريت مجرى"من" و"ما" في ترجمتها التي تذهب مذهب الجزاء ، وإخراج صلاتها بألفاظ الماضي من الأفعال وهي بمعنى الاستقبال ، كما قال الشاعر في"ما" :
وإني لآتيكم تشكر ما مضى من الأمر واستيجاب ما كان في غد
فقال : "ما كان في غد" ، وهو يريد : ما يكون في غد . ولو كان أراد الماضي لقال : "ما كان في أمس" ، ولم يجز له أن يقول : "ما كان في غد" .
ولو كان"الذي" موقتا ، لم يجز أن يقال ذلك . خطأ أن يقال : "لتكرمن [ ص: 335 ] هذا الذي أكرمك إذا زرته" ، لأن"الذي" هاهنا موقت ، فقد خرج من معنى الجزاء ، ولو لم يكن في الكلام"هذا" ، لكان جائزا فصيحا ، لأن"الذي" يصير حينئذ مجهولا غير موقت . ومن ذلك قول الله عز وجل : ( إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله ) [ سورة الحج : 25 ] فرد"يصدون" على"كفروا" ، لأن"الذين" غير موقتة . فقوله : "كفروا" ، وإن كان في لفظ ماض ، فمعناه الاستقبال ، وكذلك قوله : ( إلا من تاب وآمن وعمل صالحا ) [ سورة مريم : 60 ] وقوله : ( إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم ) [ سورة المائدة : 34 ] ، معناه : إلا الذين يتوبون من قبل أن تقدروا عليهم وإلا من يتوب ويؤمن . ونظائر ذلك في القرآن والكلام كثير ، والعلة في كل ذلك واحدة . .
وأما قوله : "ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم" ، فإنه يعني بذلك : حزنا في قلوبهم ، كما : -
8113 - حدثنا محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "في قلوبهم" ، قال : يحزنهم قولهم ، لا ينفعهم شيئا .
8114 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
8115 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : " ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم " ، لقلة اليقين بربهم جل ثناؤه .