قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في تأويل"المنادي" الذي ذكره الله تعالى في هذه الآية .
فقال بعضهم : "المنادي" في هذا الموضع ، القرآن .
ذكر من قال ذلك :
8361 - حدثني المثنى قال : حدثنا قبيصة بن عقبة قال : حدثنا سفيان ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب : " إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " ، قال : هو الكتاب ، ليس كلهم لقي النبي صلى الله عليه وسلم .
8362 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا منصور بن حكيم ، عن خارجة ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب القرظي في قوله : " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " ، قال : ليس كل الناس سمع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن المنادي القرآن .
وقال آخرون : بل هو محمد صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 481 ] ذكر من قال ذلك :
8363 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قوله : " ابن جريج إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " : قال : هو محمد صلى الله عليه وسلم .
8364 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " ، قال : ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول محمد بن كعب ، وهو أن يكون"المنادي" القرآن . لأن كثيرا ممن وصفهم الله بهذه الصفة في هذه الآيات ، ليسوا ممن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عاينه فسمعوا دعاءه إلى الله تبارك وتعالى ونداءه ، ولكنه القرآن ، وهو نظير قوله جل ثناؤه مخبرا عن الجن إذ سمعوا كلام الله يتلى عليهم أنهم قالوا : ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد ) [ سورة الجن : 1 ، 2 ]
وبنحو ذلك : -
8365 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : " ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " إلى قوله : " وتوفنا مع الأبرار " ، سمعوا دعوة من الله فأجابوها فأحسنوا الإجابة فيها ، وصبروا عليها . ينبئكم الله عن مؤمن الإنس كيف قال : وعن مؤمن الجن كيف قال . فأما مؤمن الجن فقال : ( إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا ) وأما مؤمن الإنس فقال : " إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا " ، الآية .
وقيل : " إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان " ، يعني : ينادي إلى الإيمان ، كما [ ص: 482 ] قال تعالى ذكره : ( الحمد لله الذي هدانا لهذا ) [ سورة الأعراف : 43 ] بمعنى : هدانا إلى هذا ، وكما قال الراجز :
أوحى لها القرار فاستقرت وشدها بالراسيات الثبت
بمعنى : أوحى إليها ، ومنه قوله : ( بأن ربك أوحى لها ) [ سورة الزلزلة : 5 ]
وقيل : يحتمل أن يكون معناه : إننا سمعنا مناديا للإيمان ، ينادي أن آمنوا بربكم .
فتأويل الآية إذا : ربنا سمعنا داعيا يدعو إلى الإيمان يقول : إلى التصديق بك ، والإقرار بوحدانيتك ، واتباع رسولك ، وطاعته فيما أمرنا به ونهانا عنه مما جاء به من عندك" فآمنا ربنا" ، يقول : فصدقنا بذلك يا ربنا . " فاغفر لنا ذنوبنا " ، يقول : فاستر علينا خطايانا ، ولا تفضحنا بها في القيامة على رءوس الأشهاد ، بعقوبتك إيانا عليها ، ولكن كفرها عنا ، وسيئات أعمالنا ، فامحها بفضلك ورحمتك إيانا" وتوفنا مع الأبرار " ، يعني بذلك : واقبضنا إليك إذا قبضتنا إليك ، في عداد الأبرار ، واحشرنا محشرهم ومعهم .
و"الأبرار" جمع"بر" ، وهم الذين بروا الله تبارك وتعالى بطاعتهم إياه وخدمتهم له ، حتى أرضوه فرضي عنهم .