القول في تأويل قوله ( وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا   )  
قال أبو جعفر   : اختلف أهل التأويل فيمن عنى بهذه الآية . 
فقال بعضهم : عنى بها أصحمة النجاشي ،  وفيه أنزلت . 
ذكر من قال ذلك : 
8376 - حدثنا عصام بن رواد بن الجراح  قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أبو بكر الهذلي ،  عن قتادة ،  عن  سعيد بن المسيب ،  عن  جابر بن عبد الله   : أن  [ ص: 497 ] النبي صلى الله عليه وسلم قال :  "اخرجوا فصلوا على أخ لكم" . فصلى بنا ، فكبر أربع تكبيرات ، فقال : "هذا النجاشي أصحمة   " ، فقال المنافقون : انظروا إلى هذا يصلي على علج نصراني لم يره قط! فأنزل الله : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله   " . 
8377 - حدثنا ابن بشار  قال : حدثنا  معاذ بن هشام  قال : حدثنا أبي عن قتادة   : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أخاكم النجاشي  قد مات فصلوا عليه . قالوا : يصلى على رجل ليس بمسلم! قال : فنزلت : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله   " . قال قتادة   : فقالوا : فإنه كان لا يصلي إلى القبلة! فأنزل الله : ( ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله   )  [ سورة البقرة : 115 ] 
8378 - حدثنا بشر  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد ،  عن قتادة  قوله : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم   " ، ذكر  [ ص: 498 ] لنا أن هذه الآية نزلت في النجاشي ،  وفي ناس من أصحابه آمنوا بنبي الله صلى الله عليه وسلم وصدقوا به . قال : وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم استغفر  للنجاشي  وصلى عليه حين بلغه موته  ، قال لأصحابه : " صلوا على أخ لكم قد مات بغير بلادكم"! فقال أناس من أهل النفاق : "يصلي على رجل مات ليس من أهل دينه"؟ فأنزل الله هذه الآية : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب   " . 
8379 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر ،  عن قتادة ،  في قوله : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم   " ، قال : نزلت في النجاشي  وأصحابه ممن آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم واسم النجاشي ،  أصحمة   . 
8380 - حدثنا المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : قال عبد الرزاق ،  وقال ابن عيينة   : اسم النجاشي بالعربية : عطية . 
8381 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثنا حجاج ،  عن  ابن جريج  قال : لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي ،  طعن في ذلك المنافقون ، فنزلت هذه الآية : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله   " ، إلى آخر الآية  . 
وقال آخرون : بل عنى بذلك  عبد الله بن سلام  ومن معه . 
ذكر من قال ذلك : 
8382 - حدثنا القاسم  قال : حدثنا الحسين  قال : حدثني حجاج ،  عن  ابن جريج  قال : نزلت - يعني هذه الآية - في  عبد الله بن سلام  ومن معه . 
8383 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : أخبرني ابن زيد  في  [ ص: 499 ] قوله : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم   " ، الآية كلها قال : هؤلاء يهود   . 
وقال آخرون : بل عنى بذلك مسلمة أهل الكتاب . 
ذكر من قال ذلك : 
8384 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   : " وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم   " ، من اليهود  والنصارى ،  وهم مسلمة أهل الكتاب  . 
قال أبو جعفر   : وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قاله مجاهد   . وذلك أن الله جل ثناؤه عم بقوله : "وإن من أهل الكتاب" أهل الكتاب جميعا ، فلم يخصص منهم النصارى  دون اليهود ،  ولا اليهود  دون النصارى   . وإنما أخبر أن من"أهل الكتاب" من يؤمن بالله . وكلا الفريقين أعني اليهود  والنصارى  من أهل الكتاب . 
فإن قال قائل : فما أنت قائل في الخبر الذي رويت عن جابر  وغيره : أنها نزلت في النجاشي  وأصحابه؟ 
قيل : ذلك خبر في إسناده نظر . ولو كان صحيحا لا شك فيه ، لم يكن لما قلنا في معنى الآية بخلاف . وذلك أن جابرا  ومن قال بقوله ، إنما قالوا : "نزلت في النجاشي   " ، وقد تنزل الآية في الشيء ، ثم يعم بها كل من كان في معناه . فالآية وإن كانت نزلت في النجاشي ،  فإن الله تبارك وتعالى قد جعل الحكم الذي حكم به  للنجاشي ،  حكما لجميع عباده الذين هم بصفة النجاشي  في اتباعهم  [ ص: 500 ] رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتصديق بما جاءهم به من عند الله ، بعد الذي كانوا عليه قبل ذلك من اتباع أمر الله فيما أمر به عباده في الكتابين ، التوراة والإنجيل . 
فإذ كان ذلك كذلك ، فتأويل الآية : " وإن من أهل الكتاب   " التوراة والإنجيل"لمن يؤمن بالله" فيقر بوحدانيته" وما أنزل إليكم   " ، أيها المؤمنون ، يقول : وما أنزل إليكم من كتابه ووحيه على لسان رسوله محمد  صلى الله عليه وسلم" وما أنزل إليهم   " ، يعني : وما أنزل على أهل الكتاب من الكتب ، وذلك التوراة والإنجيل والزبور" خاشعين لله  ، يعني : خاضعين لله بالطاعة ، مستكينين له بها متذللين ، كما : - 
8385 - حدثنا يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : أخبرني ابن زيد  في قوله : " خاشعين لله   " ، قال : الخاشع ، المتذلل لله الخائف . 
ونصب قوله : " خاشعين لله   " ، على الحال من قوله : " لمن يؤمن بالله   " ، وهو حال مما في"يؤمن" من ذكر"من" . 
" لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا   " ، يقول : لا يحرفون ما أنزل إليهم في كتبه من نعت محمد  صلى الله عليه وسلم فيبدلونه ، ولا غير ذلك من أحكامه وحججه فيه ، لعرض من الدنيا خسيس يعطونه على ذلك التبديل ، وابتغاء الرياسة على الجهال ، ولكن ينقادون للحق ، فيعملون بما أمرهم الله به فيما أنزل إليهم من كتبه ، وينتهون عما نهاهم عنه فيها ، ويؤثرون أمر الله تعالى على هوى أنفسهم . 
				
						
						
