القول في تأويل قوله تعالى ذكره : ( مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون    ( 38 ) ) 
قال أبو جعفر :  والهدى ، في هذا الموضع ، البيان والرشاد . كما : 
794 - حدثنا المثنى بن إبراهيم ،  قال : حدثنا آدم العسقلاني  قال : حدثنا أبو جعفر ،  عن الربيع ،  عن أبي العالية ،  في قوله : " فإما يأتينكم مني هدى   " قال : الهدى ، الأنبياء والرسل والبيان . . 
فإن كان ما قال أبو العالية  في ذلك كما قال ، فالخطاب بقوله : " اهبطوا " وإن كان لآدم  وزوجته ، فيجب أن يكون مرادا به آدم  وزوجته وذريتهما . فيكون ذلك حينئذ نظير قوله : ( فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين   ) [ سورة فصلت : 11 ] ، بمعنى أتينا بما فينا من الخلق طائعين ، ونظير قوله في قراءة  [ ص: 550 ] ابن مسعود   : ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرهم مناسكهم ) [ سورة البقرة : 128 ] ، فجمع قبل أن تكون ذرية ، وهو في قراءتنا : " وأرنا مناسكنا   " وكما يقول القائل لآخر : " كأنك قد تزوجت وولد لك ، وكثرتم وعززتم " ونحو ذلك من الكلام . 
وإنما قلنا إن ذلك هو الواجب على التأويل الذي ذكرناه عن أبي العالية ،  لأن آدم  كان هو النبي أيام حياته بعد أن أهبط إلى الأرض ، والرسول من الله جل ثناؤه إلى ولده . فغير جائز أن يكون معنيا - وهو الرسول صلى الله عليه وسلم - بقوله : " فإما يأتينكم مني هدى   " خطابا له ولزوجته ، " فإما يأتينكم مني أنبياء ورسل " إلا على ما وصفت من التأويل . 
وقول أبي العالية  في ذلك - وإن كان وجها من التأويل تحتمله الآية - فأقرب إلى الصواب منه عندي وأشبه بظاهر التلاوة ، أن يكون تأويلها : فإما يأتينكم يا معشر من أهبط إلى الأرض من سمائي ، وهو آدم  وزوجته وإبليس - كما قد ذكرنا قبل في تأويل الآية التي قبلها - إما يأتينكم مني بيان من أمري وطاعتي ، ورشاد إلى سبيلي وديني ، فمن اتبعه منكم فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وإن كان قد سلف منهم قبل ذلك إلي معصية وخلاف لأمري وطاعتي . يعرفهم بذلك جل ثناؤه أنه التائب على من تاب إليه من ذنوبه ، والرحيم لمن أناب إليه ، كما وصف نفسه بقوله : " إنه هو التواب الرحيم   " 
وذلك أن ظاهر الخطاب بذلك إنما هو للذين قال لهم جل ثناؤه : " اهبطوا منها جميعا   " والذين خوطبوا به هم من سمينا في قول الحجة من الصحابة والتابعين الذين قد قدمنا الرواية عنهم . . وذلك ، وإن كان خطابا من الله جل ذكره لمن أهبط  [ ص: 551 ] حينئذ من السماء إلى الأرض ، فهو سنة الله في جميع خلقه ، وتعريف منه بذلك الذين أخبر عنهم في أول هذه السورة بما أخبر عنهم في قوله ( : إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون   ) [ سورة البقرة : 6 ] ، وفي قوله : ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين   ) [ سورة البقرة : 8 ] ، وأن حكمه فيهم - إن تابوا إليه وأنابوا واتبعوا ما أتاهم من البيان من عند الله على لسان رسوله محمد  صلى الله عليه وسلم - أنهم عنده في الآخرة ممن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، وأنهم إن هلكوا على كفرهم وضلالتهم قبل الإنابة والتوبة ، كانوا من أهل النار المخلدين فيها . 
وقوله : " فمن تبع هداي   " يعني : فمن اتبع بياني الذي آتيته على ألسن رسلي ، أو مع رسلي . كما : 
795 - حدثنا به المثنى ،  قال : حدثنا آدم ،  قال : حدثنا أبو جعفر ،  عن الربيع ،  عن أبي العالية   : " فمن تبع هداي   " يعني بياني . . 
وقوله : " فلا خوف عليهم   " يعني فهم آمنون في أهوال القيامة من عقاب الله ، غير خائفين عذابه ، بما أطاعوا الله في الدنيا واتبعوا أمره وهداه وسبيله ، ولا هم يحزنون يومئذ على ما خلفوا بعد وفاتهم في الدنيا . كما : 
796 - حدثني  يونس بن عبد الأعلى ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال قال ابن زيد   : " لا خوف عليهم" يقول : لا خوف عليكم أمامكم . 
وليس شيء أعظم في صدر الذي يموت مما بعد الموت . فأمنهم منه وسلاهم عن الدنيا فقال : " ولا هم يحزنون   " 
				
						
						
