القول في تأويل قوله ( ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل  وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام   ) 
قال أبو جعفر   : وهذا [ خبر ] من الله تعالى ذكره ، احتجاجا لنبيه محمد  صلى الله عليه وسلم على فرق النصارى  في قولهم في المسيح . 
يقول مكذبا لليعقوبية في قيلهم : "هو الله " والآخرين في قيلهم : "هو ابن الله " : ليس القول كما قال هؤلاء الكفرة في المسيح ،  ولكنه ابن مريم ولدته ولادة الأمهات أبناءهن ، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر ، وإنما هو لله رسول كسائر رسله الذين كانوا قبله فمضوا وخلوا ، أجرى على يده ما شاء أن يجريه عليها من الآيات والعبر ، حجة له على صدقه ، وعلى أنه لله رسول إلى من أرسله إليه من خلقه ، كما أجرى على أيدي من قبله من الرسل من الآيات والعبر ، حجة لهم على حقيقة صدقهم في أنهم لله رسل "وأمه صديقة " ، يقول تعالى ذكره وأم المسيح صديقة . 
 [ ص: 485 ] و"الصديقة" " الفعيلة " ، من "الصدق " ، وكذلك قولهم : "فلان صديق " ، "فعيل " من"الصدق " ، ومنه قوله تعالى ذكره : ( والصديقين والشهداء ) . [ سورة النساء : 70 ] . 
وقد قيل إن "  أبا بكر الصديق   " رضي الله عنه إنما قيل له : "الصديق " لصدقه . 
وقد قيل : إنما سمي"صديقا " ، لتصديقه النبي صلى الله عليه وسلم في مسيره في ليلة واحدة إلى بيت المقدس  من مكة ،  وعوده إليها . 
وقوله : "كانا يأكلان الطعام " ، خبر من الله تعالى ذكره عن المسيح  وأمه : أنهما كانا أهل حاجة إلى ما يغذوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم ، فإن من كان كذلك ، فغير كائن إلها ، لأن المحتاج إلى الغذاء قوامه بغيره . وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه ، دليل واضح على عجزه . والعاجز لا يكون إلا مربوبا لا ربا . 
				
						
						
