القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28973_30376_30377تأويل قوله تعالى ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48ولا يقبل منها شفاعة )
قال
أبو جعفر : و" الشفاعة " مصدر من قول الرجل : " شفع لي فلان إلى فلان شفاعة وهو طلبه إليه في قضاء حاجته . وإنما قيل للشفيع " شفيع وشافع " لأنه
[ ص: 32 ] ثنى المستشفع به ، فصار به شفعا فكان ذو الحاجة - قبل استشفاعه به في حاجته - فردا ، فصار صاحبه له فيها شافعا ، وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة . ولذلك سمي الشفيع في الدار وفي الأرض " شفيعا " لمصير البائع به شفعا .
فتأويل الآية إذا : واتقوا يوما لا تقضي نفس عن نفس حقا لزمها لله جل ثناؤه ولا لغيره ، ولا يقبل الله منها شفاعة شافع ، فيترك لها ما لزمها من حق .
وقيل : إن الله عز وجل خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها ، لأنهم كانوا من يهود بني إسرائيل ، وكانوا يقولون : نحن أبناء الله وأحباؤه وأولاد أنبيائه ، وسيشفع لنا عنده آباؤنا . فأخبرهم الله جل وعز أن نفسا لا تجزي عن نفس شيئا في القيامة ، ولا يقبل منها شفاعة أحد فيها حتى يستوفى لكل ذي حق منها حقه . كما : -
880 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14745عباس بن أبي طالب ، قال : حدثنا
حجاج بن نصير ، عن
شعبة ، عن
العوام بن مراجم - رجل من قيس بن ثعلبة - ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12081أبي عثمان النهدي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501560إن الجماء لتقتص من القرناء يوم القيامة ، كما قال الله عز وجل (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا ) . . [ الأنبياء : 47 ] الآية
[ ص: 33 ] فآيسهم الله جل ذكره مما كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النجاة من عذاب الله - مع تكذيبهم بما عرفوا من الحق وخلافهم أمر الله في اتباع
محمد صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عنده - بشفاعة آبائهم وغيرهم من الناس كلهم ; وأخبرهم أنه غير نافعهم عنده إلا التوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم ، وجعل ما سن فيهم من ذلك إماما لكل من كان على مثل منهاجهم لئلا يطمع ذو إلحاد في رحمة الله .
وهذه الآية وإن كان مخرجها عاما في التلاوة ، فإن المراد بها خاص في التأويل لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501561 : " شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي " وأنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501562 : " ليس من نبي إلا وقد أعطي دعوة ، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي ، وهي نائلة إن شاء الله منهم من لا يشرك بالله شيئا " .
فقد تبين بذلك أن الله جل ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين - بشفاعة نبينا
محمد صلى الله عليه وسلم لهم - عن كثير من عقوبة إجرامهم بينهم وبينه وأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48ولا يقبل منها شفاعة ) إنما هي لمن مات على كفره غير تائب إلى الله عز وجل . وليس هذا من مواضع الإطالة في القول في الشفاعة والوعد والوعيد ، فنستقصي الحجاج في ذلك ، وسنأتي على ما فيه الكفاية في مواضعه إن شاء الله .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973_30376_30377تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَ" الشَّفَاعَةُ " مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِ الرَّجُلِ : " شَفَعَ لِي فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ شَفَاعَةً وَهُوَ طَلَبُهُ إِلَيْهِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ . وَإِنَّمَا قِيلَ لِلشَّفِيعِ " شَفِيعٌ وَشَافِعٌ " لِأَنَّهُ
[ ص: 32 ] ثَنَّى الْمُسْتَشْفَعَ بِهِ ، فَصَارَ بِهِ شَفْعًا فَكَانَ ذُو الْحَاجَةِ - قَبْلَ اسْتِشْفَاعِهِ بِهِ فِي حَاجَتِهِ - فَرْدًا ، فَصَارَ صَاحِبُهُ لَهُ فِيهَا شَافِعًا ، وَطَلَبُهُ فِيهِ وَفِي حَاجَتِهِ شَفَاعَةً . وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الشَّفِيعُ فِي الدَّارِ وَفِي الْأَرْضِ " شَفِيعًا " لِمَصِيرِ الْبَائِعِ بِهِ شَفْعًا .
فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ إِذًا : وَاتَّقَوْا يَوْمًا لَا تَقْضِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ حَقًّا لَزِمَهَا لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَلَا لِغَيْرِهِ ، وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهَا شَفَاعَةَ شَافِعٍ ، فَيَتْرُكَ لَهَا مَا لَزِمَهَا مِنْ حَقٍّ .
وَقِيلَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَاطَبَ أَهْلَ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ فِيهَا ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا مِنْ يَهُودِ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، وَكَانُوا يَقُولُونَ : نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَأَوْلَادُ أَنْبِيَائِهِ ، وَسَيَشْفَعُ لَنَا عِنْدَهُ آبَاؤُنَا . فَأَخْبَرَهُمُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ أَنَّ نَفْسًا لَا تَجْزِي عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا فِي الْقِيَامَةِ ، وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةُ أَحَدٍ فِيهَا حَتَّى يُسْتَوْفَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ مِنْهَا حَقُّهُ . كَمَا : -
880 - حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=14745عَبَّاسُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
حَجَّاجُ بْنُ نُصَيْرٍ ، عَنْ
شُعْبَةَ ، عَنِ
الْعَوَّامِ بْنِ مُرَاجِمٍ - رَجُلٌ مِنْ قَيْسِ بْنِ ثَعْلَبَةَ - ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12081أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501560إِنَّ الْجَمَّاءَ لَتَقْتَصُّ مِنَ الْقَرْنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=47وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ) . . [ الْأَنْبِيَاءِ : 47 ] الْآيَةَ
[ ص: 33 ] فَآيَسَهُمُ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ مِمَّا كَانُوا أَطْمَعُوا فِيهِ أَنْفُسَهُمْ مِنَ النَّجَاةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ - مَعَ تَكْذِيبِهِمْ بِمَا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ وَخِلَافِهِمْ أَمْرَ اللَّهِ فِي اتِّبَاعِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِهِ - بِشَفَاعَةِ آبَائِهِمْ وَغَيْرِهِمْ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ; وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ نَافِعِهِمْ عِنْدَهُ إِلَّا التَّوْبَةَ إِلَيْهِ مِنْ كُفْرِهِمْ وَالْإِنَابَةِ مِنْ ضَلَالِهِمْ ، وَجَعَلَ مَا سَنَّ فِيهِمْ مِنْ ذَلِكَ إِمَامًا لِكُلِّ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مِنْهَاجِهِمْ لِئَلَّا يَطْمَعَ ذُو إِلْحَادٍ فِي رَحْمَةِ اللَّهِ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ وَإِنْ كَانَ مَخْرَجُهَا عَامًّا فِي التِّلَاوَةِ ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهَا خَاصٌّ فِي التَّأْوِيلِ لِتَظَاهُرِ الْأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501561 : " شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي " وَأَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501562 : " لَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا وَقَدْ أُعْطِيَ دَعْوَةً ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي ، وَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا " .
فَقَدْ تَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ قَدْ يَصْفَحُ لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ - بِشَفَاعَةِ نَبِيِّنَا
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ - عَنْ كَثِيرٍ مِنْ عُقُوبَةِ إِجْرَامِهِمْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ وَأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=48وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ ) إِنَّمَا هِيَ لِمَنْ مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ غَيْرَ تَائِبٍ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَلَيْسَ هَذَا مِنْ مَوَاضِعِ الْإِطَالَةِ فِي الْقَوْلِ فِي الشَّفَاعَةِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، فَنَسْتَقْصِي الْحِجَاجَ فِي ذَلِكَ ، وَسَنَأْتِي عَلَى مَا فِيهِ الْكِفَايَةُ فِي مَوَاضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .