القول في تأويل قوله ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها    ) 
قال أبو جعفر   : وهذا الكلام من الله جل ثناؤه يدل على نهيه المؤمنين برسوله يومئذ عن طاعة بعض المشركين الذين جادلوهم في أكل الميتة  ، بما ذكرنا عنهم من جدالهم إياهم به ، وأمره إياهم بطاعة مؤمن منهم كان كافرا ، فهداه جل ثناؤه لرشده ، ووفقه للإيمان . فقال لهم : أطاعة من كان ميتا ، يقول : من كان كافرا ؟ فجعله جل ثناؤه لانصرافه عن طاعته ، وجهله بتوحيده وشرائع دينه ، وتركه الأخذ بنصيبه من العمل لله بما يؤديه إلى نجاته ، بمنزلة " الميت " الذي لا ينفع نفسه بنافعة ، ولا يدفع عنها من مكروه نازلة ( فأحييناه ) ، يقول : فهديناه للإسلام ، فأنعشناه ، فصار يعرف مضار نفسه ومنافعها ، ويعمل في خلاصها من سخط  [ ص: 89 ] الله وعقابه في معاده . فجعل إبصاره الحق تعالى ذكره بعد عماه عنه ، ومعرفته بوحدانيته وشرائع دينه بعد جهله بذلك ، حياة وضياء يستضيء به فيمشي على قصد السبيل ، ومنهج الطريق في الناس ( كمن مثله في الظلمات ) ، لا يدري كيف يتوجه ، وأي طريق يأخذ ؛ لشدة ظلمة الليل وإضلاله الطريق . فكذلك هذا الكافر الضال في ظلمات الكفر ، لا يبصر رشدا ولا يعرف حقا  ، يعني في ظلمات الكفر . يقول : أفطاعة هذا الذي هديناه للحق وبصرناه الرشاد ، كطاعة من مثله مثل من هو في الظلمات متردد ، لا يعرف المخرج منها في دعاء ، هذا إلى تحريم ما حرم الله ، وتحليل ما أحل ، وتحليل هذا ما حرم الله ، وتحريمه ما أحل ؟ 
وقد ذكر أن هذه الآية نزلت في رجلين بأعيانهما معروفين : أحدهما مؤمن ، والآخر كافر . 
ثم اختلف أهل التأويل فيهما . 
فقال بعضهم : أما الذي كان ميتا فأحياه الله ،  فعمر بن الخطاب  رضي الله عنه . وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها ، فأبو جهل بن هشام   . 
ذكر من قال ذلك : 
13836 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : أخبرنا سليمان بن أبي هوذة  ، عن شعيب السراج  ، عن أبي سنان  عن الضحاك  في قوله : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس   ) ، قال :  عمر بن الخطاب  رضي الله عنه ( كمن مثله في الظلمات   ) ، قال : أبو جهل بن هشام   .  [ ص: 90 ] 
وقال آخرون : بل الميت الذي أحياه الله ،  عمار بن ياسر  رحمة الله عليه . وأما الذي مثله في الظلمات ليس بخارج منها ، فأبو جهل بن هشام   . 
ذكر من قال ذلك : 
13837 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا سفيان بن عيينة  ، عن بشر بن تيم  ، عن رجل ، عن عكرمة   : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس   ) ، قال : نزلت في  عمار بن ياسر   . 
13838 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا عبد الله بن الزبير  ، عن ابن عيينة  ، عن بشر بن تيم  ، عن عكرمة   : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس   ) ،  عمار بن ياسر   ( كمن مثله في الظلمات   ) ، أبو جهل بن هشام   . 
وبنحو الذي قلنا في الآية قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
13839 - حدثني محمد بن عمرو  قال : حدثنا أبو عاصم  قال : حدثنا عيسى  ، عن ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد  في قول الله : ( أومن كان ميتا فأحييناه   ) قال : ضالا فهديناه ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس   ) ، قال : هدى ( كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها   ) ، قال : في الضلالة أبدا . 
13840 - حدثني المثنى  قال : حدثنا أبو حذيفة  قال : حدثنا شبل  ، عن  [ ص: 91 ] ابن أبي نجيح  ، عن مجاهد   : ( أومن كان ميتا فأحييناه   ) ، هديناه ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات   ) في الضلالة أبدا . 
13841 - حدثنا ابن وكيع  قال : حدثنا أبي ، عن سفيان  ، عن رجل ، عن مجاهد   : ( أومن كان ميتا فأحييناه   ) ، قال : ضالا فهديناه . 
13842 - حدثني المثنى  قال : حدثنا عبد الله بن صالح  قال : حدثني معاوية  ، عن علي بن أبي طلحة  ، عن ابن عباس   : ( أومن كان ميتا فأحييناه   ) ، يعني : من كان كافرا فهديناه ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس   ) ، يعني بالنور ، القرآن ، من صدق به وعمل به ( كمن مثله في الظلمات   ) ، يعني : بالظلمات ، الكفر والضلالة . 
13843 - حدثني محمد بن سعد  قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس  قوله : ( أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس   ) ، يقول : الهدى " يمشي به في الناس " ، يقول : فهو الكافر يهديه الله للإسلام . يقول : كان مشركا فهديناه ( كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها   ) . 
13844 - حدثنا بشر بن معاذ  قال : حدثنا يزيد  قال : حدثنا سعيد  ، عن قتادة   : ( أومن كان ميتا فأحييناه   ) ، هذا المؤمن معه من الله نور وبينة يعمل بها ويأخذ ، وإليها ينتهي ، كتاب الله ( كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها   ) ، وهذا مثل الكافر في الضلالة ، متحير فيها متسكع ، لا يجد مخرجا ولا منفذا  . 
13845 - حدثني محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن مفضل  قال : حدثنا أسباط  عن  السدي   : ( أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس   ) ، يقول : من كان كافرا فجعلناه مسلما ، وجعلنا له نورا يمشي به في الناس ، وهو الإسلام ، يقول : هذا كمن هو في الظلمات ، يعني الشرك .  [ ص: 92 ] 
13846 - حدثني  يونس بن عبد الأعلى  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  في قوله : ( وجعلنا له نورا يمشي به في الناس   ) ، قال : الإسلام الذي هداه الله إليه ( كمن مثله في الظلمات   ) ، ليس من أهل الإسلام . وقرأ : ( الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور   ) ، [ سورة البقرة : 257 ] . قال : والنور يستضيء به ما في بيته ويبصره ، وكذلك الذي آتاه الله هذا النور ، يستضيء به في دينه ويعمل به في نوره ، كما يستضيء صاحب هذا السراج . قال : ( كمن مثله في الظلمات   ) ، لا يدري ما يأتي ولا ما يقع عليه . 
				
						
						
