القول في تأويل قوله تعالى ( وإذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم )
يعني بقوله : ( وإذ استسقى موسى لقومه ) ، وإذ استسقانا موسى لقومه ، أي سألنا أن نسقي قومه ماء . فترك ذكر المسئول ذلك ، والمعنى الذي سأل موسى ، إذ كان فيما ذكر من الكلام الظاهر دلالة على معنى ما ترك .
وكذلك فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ) ، مما استغني بدلالة الظاهر على المتروك منه . وذلك أن معنى الكلام : فقلنا اضرب بعصاك الحجر ، فضربه ، فانفجرت . فترك ذكر الخبر عن ضرب قوله : ( موسى الحجر ، إذ كان فيما ذكر دلالة على المراد منه .
وكذلك قوله : ( قد علم كل أناس مشربهم ) ، إنما معناه : قد علم كل أناس منهم مشربهم . فترك ذكر " منهم " لدلالة الكلام عليه .
وقد دللنا فيما مضى على أن " أناس " جمع لا واحد له من لفظه ، وأن " الإنسان " لو جمع على لفظه لقيل : أناسي وأناسية .
[ ص: 120 ] وقوم موسى هم بنو إسرائيل ، الذين قص الله عز وجل قصصهم في هذه الآيات . وإنما استسقى لهم ربه الماء في الحال التي تاهوا فيها في التيه ، كما : -
1043 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا ، عن يزيد بن زريع ، عن سعيد بن أبي عروبة قتادة وإذ استسقى موسى لقومه ) الآية قال ، كان هذا إذ هم في البرية اشتكوا إلى نبيهم الظمأ ، فأمروا بحجر طوري - أي من الطور - أن يضربه قوله : ( موسى بعصاه . فكانوا يحملونه معهم ، فإذا نزلوا ضربه موسى بعصاه فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط عين معلومة مستفيض ماؤها لهم .
1044 - حدثني تميم بن المنتصر قال ، حدثنا قال ، حدثنا يزيد بن هارون أصبغ بن زيد ، عن القاسم بن أبي أيوب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : ذلك في التيه ; ظلل عليهم الغمام ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وجعل لهم ثيابا لا تبلى ولا تتسخ ، وجعل بين ظهرانيهم حجر مربع ، وأمر موسى فضرب بعصاه الحجر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا في كل ناحية منه ثلاث عيون ، لكل سبط عين ; ولا يرتحلون منقلة إلا وجدوا ذلك الحجر معهم بالمكان الذي كان به معهم في المنزل الأول .
1045 - حدثني عبد الكريم قال ، أخبرنا إبراهيم بن بشار قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي سعيد ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : ذلك في التيه . ضرب لهم موسى الحجر ، فصار فيه اثنتا عشرة عينا من ماء ، لكل سبط منهم عين يشربون منها .
1046 - وحدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا ) لكل سبط منهم عين . كل ذلك كان في تيههم حين تاهوا .
1047 - حدثنا القاسم بن الحسن قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج [ ص: 121 ] ، عن ، عن ابن جريج مجاهد قوله : ( وإذ استسقى موسى لقومه ) ، قال : خافوا الظمأ في تيههم حين تاهوا ، فانفجر لهم الحجر اثنتي عشرة عينا ، ضربه موسى . قال : قال ابن جريج ابن عباس : " الأسباط " بنو يعقوب ، كانوا اثني عشر رجلا كل واحد منهم ولد سبطا ، أمة من الناس .
1048 - وحدثني قال ، أخبرنا يونس بن عبد الأعلى ابن وهب قال ، قال ابن زيد : استسقى لهم موسى في التيه ، فسقوا في حجر مثل رأس الشاة ، قال : يلقونه في جوانب الجوالق إذا ارتحلوا ، ويقرعه موسى بالعصا إذا نزل ، فتنفجر منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط منهم عين ، فكان بنو إسرائيل يشربون منه ، حتى إذا كان الرحيل استمسكت العيون ، وقيل به فألقي في جانب الجوالق . فإذا نزل رمى به ، فقرعه بالعصا ، فتفجرت عين من كل ناحية مثل البحر .
1049 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثني أسباط ، عن قال : كان ذلك في التيه . السدي
وأما قد علم كل أناس مشربهم ) ، فإنما أخبر الله عنهم بذلك . لأن معناهم - في الذي أخرج الله جل وعز لهم من الحجر ، الذي وصف جل ذكره في هذه الآية صفته - من الشرب كان مخالفا معاني سائر الخلق فيما أخرج الله لهم من المياه من الجبال والأرضين ، التي لا مالك لها سوى الله عز وجل . وذلك [ ص: 122 ] أن الله كان جعل لكل سبط من الأسباط الاثني عشر ، عينا من الحجر الذي وصف صفته في هذه الآية ، يشرب منها دون سائر الأسباط غيره ، لا يدخل سبط منهم في شرب سبط غيره . وكان مع ذلك لكل عين من تلك العيون الاثنتي عشرة ، موضع من الحجر قد عرفه السبط الذي منه شربه . فلذلك خص جل ثناؤه هؤلاء بالخبر عنهم : أن كل أناس منهم كانوا عالمين بمشربهم دون غيرهم من الناس . إذ كان غيرهم - في الماء الذي لا يملكه أحد - شركاء في منابعه ومسايله . وكان كل سبط من هؤلاء مفردا بشرب منبع من منابع الحجر - دون سائر منابعه - خاص لهم دون سائر الأسباط غيرهم . فلذلك خصوا بالخبر عنهم : أن كل أناس منهم قد علموا مشربهم . قوله : (