القول في كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( 5 ) تأويل قوله ( يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ( 6 ) )
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الجالب لهذه " الكاف " التي في قوله : " كما أخرجك " ، وما الذي شبه بإخراج الله نبيه صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق .
فقال بعضهم : شبه به في الصلاح للمؤمنين ، اتقاؤهم ربهم ، وإصلاحهم ذات بينهم ، وطاعتهم الله ورسوله . وقالوا : معنى ذلك : يقول الله : وأصلحوا ذات بينكم ، فإن ذلك خير لكم ، كما أخرج الله محمدا صلى الله عليه وسلم من بيته بالحق ، فكان خيرا له .
ذكر من قال ذلك :
15700 - حدثنا قال ، حدثنا محمد بن المثنى عبد الوهاب قال ، حدثنا داود ، عن عكرمة : " فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " ، الآية ، أي : إن هذا خير لكم ، كما كان إخراجك من بيتك بالحق خيرا لك .
وقال آخرون : معنى ذلك : كما أخرجك ربك ، يا محمد ، من بيتك بالحق على كره من فريق من المؤمنين ، كذلك هم يكرهون القتال ، فهم يجادلونك فيه بعد ما تبين لهم .
ذكر من قال ذلك :
15701 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا [ ص: 392 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " ، قال : كذلك يجادلونك في الحق .
15702 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " ، كذلك يجادلونك في الحق ، القتال .
15703 - . . . . قال : حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق " ، قال : كذلك أخرجك ربك .
15704 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن قال : أنزل الله في خروجه يعني خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى السدي بدر ، ومجادلتهم إياه فقال : " كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون " ، لطلب المشركين ، " يجادلونك في الحق بعدما تبين " .
واختلف أهل العربية في ذلك .
فقال بعض نحويي الكوفيين : ذلك أمر من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يمضي لأمره في الغنائم ، على كره من أصحابه ، كما مضى لأمره في خروجه من بيته لطلب العير وهم كارهون .
وقال آخرون منهم : معنى ذلك : يسألونك عن الأنفال مجادلة ، كما جادلوك يوم بدر فقالوا : " أخرجتنا للعير ، ولم تعلمنا قتالا فنستعد له " . [ ص: 393 ]
وقال بعض نحويي البصرة ، يجوز أن يكون هذا " الكاف " في ( كما أخرجك ) ، على قوله : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) ، ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ) . وقال : " الكاف " بمعنى " على " .
وقال آخرون منهم هي بمعنى القسم . قال : ومعنى الكلام : والذي أخرجك ربك .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال عندي بالصواب ، قول من قال في ذلك بقول مجاهد ، وقال : معناه : كما أخرجك ربك بالحق على كره من فريق من المؤمنين ، كذلك يجادلونك في الحق بعد ما تبين لأن كلا الأمرين قد كان ، أعني ، وجدالهم في لقاء العدو وعند دنو القوم بعضهم من بعض ، فتشبيه بعض ذلك ببعض ، مع قرب أحدهما من الآخر ، أولى من تشبيهه بما بعد عنه . خروج بعض من خرج من المدينة كارها
وقال مجاهد في " الحق " الذي ذكر أنهم يجادلون فيه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ما تبينوه : هو القتال .
15705 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( يجادلونك في الحق ) ، قال : القتال .
15706 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله . [ ص: 394 ]
15707 - حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وأما قوله : ( من بيتك ) ، فإن بعضهم قال : معناه : من المدينة .
ذكر من قال ذلك :
15708 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة ، قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي بزة : ( كما أخرجك ربك من بيتك ) ، المدينة ، إلى بدر .
15709 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن قال ، أخبرني ابن جريج في قوله : ( محمد بن عباد بن جعفر كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ) ، قال : من المدينة إلى بدر .
وأما قوله : ( وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ) ، فإن كراهتهم كانت ، كما : -
15710 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، حدثني ، محمد بن مسلم الزهري ، وعاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر ، ويزيد بن رومان ، عن عروة بن الزبير وغيرهم من علمائنا ، ، قالوا : لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس بأبي سفيان مقبلا من الشأم ، ندب إليهم المسلمين ، وقال : هذه عير قريش فيها أموالهم ، فاخرجوا إليها ، لعل الله أن ينفلكموها ! فانتدب الناس ، فخف بعضهم وثقل بعضهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقى حربا . عن
15711 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن : ( السدي وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ) ، لطلب المشركين . [ ص: 395 ]
ثم اختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله : ( يجادلونك في الحق بعدما تبين ) .
فقال بعضهم : عني بذلك : أهل الإيمان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذين كانوا معه حين توجه إلى بدر للقاء المشركين .
ذكر من قال ذلك :
15712 - حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال ، لما شاور النبي صلى الله عليه وسلم في لقاء القوم ، وقال له سعد بن عبادة ما قال ، وذلك يوم بدر ، أمر الناس ، فتعبوا للقتال ، وأمرهم بالشوكة ، وكره ذلك أهل الإيمان ، فأنزل الله : ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) .
15713 - حدثني ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : ثم ذكر القوم يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسيرهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حين عرف القوم أن قريشا قد سارت إليهم ، وأنهم إنما خرجوا يريدون العير طمعا في الغنيمة ، فقال : ( كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ) ، إلى قوله : ( لكارهون ) ، أي كراهية للقاء القوم ، وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا لهم .
وقال آخرون : عني بذلك المشركون .
ذكر من قال ذلك :
15714 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في [ ص: 396 ] قوله : ( يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) ، قال : هؤلاء المشركون ، جادلوه في الحق " كأنما يساقون إلى الموت " ، حين يدعون إلى الإسلام ( وهم ينظرون ) ، قال : وليس هذا من صفة الآخرين ، هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر .
15715 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا يعقوب بن محمد قال ، حدثني ، عن عبد العزيز بن محمد ابن أخي الزهري ، عن عمه قال : كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يفسر : ( كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) ، خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العير .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قاله ابن عباس ، من أن ذلك خبر من الله عن فريق من المؤمنين أنهم كرهوا لقاء العدو ، وكان جدالهم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن قالوا : " لم يعلمنا أنا نلقى العدو فنستعد لقتالهم ، وإنما خرجنا للعير " . ومما يدل على صحته قوله ( وابن إسحاق وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) ، ففي ذلك الدليل الواضح لمن فهم عن الله ، أن القوم قد كانوا للشوكة كارهين ، وأن جدالهم كان في القتال ، كما قال مجاهد ، كراهية منهم له وأن لا معنى لما قال ابن زيد ، لأن الذي قبل قوله : ( يجادلونك في الحق ) ، خبر عن أهل الإيمان ، والذي يتلوه [ ص: 397 ] خبر عنهم ، فأن يكون خبرا عنهم ، أولى منه بأن يكون خبرا عمن لم يجر له ذكر .
وأما قوله : ( بعد ما تبين ) ، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله .
فقال بعضهم : معناه : بعد ما تبين لهم أنك لا تفعل إلا ما أمرك الله .
ذكر من قال ذلك :
15816 - حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن : بعد ما تبين أنك لا تصنع إلا ما أمرك الله به . السدي
وقال آخرون : معناه : يجادلونك في القتال بعدما أمرت به .
ذكر من قال ذلك :
15717 - رواه الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس .
وأما قوله : ( كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) ، فإن معناه : كأن هؤلاء الذين يجادلونك في لقاء العدو ، من كراهتهم للقائهم إذا دعوا إلى لقائهم للقتال ، " يساقون إلى الموت " .
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
15718 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة قال ، قال ابن إسحاق : ( كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ) ، أي كراهة للقاء القوم ، وإنكارا لمسير قريش حين ذكروا لهم . [ ص: 398 ]