القول في كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم إن الله يحب المتقين ( 7 ) ) تأويل قوله (
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : أنى يكون أيها المؤمنون بالله ورسوله ، وبأي معنى ، يكون للمشركين بربهم عهد وذمة عند الله وعند رسوله ، يوفى لهم به ، ويتركوا من أجله آمنين يتصرفون في البلاد؟ وإنما معناه : لا عهد لهم ، وأن الواجب على المؤمنين قتلهم حيث وجدوهم ، إلا الذين أعطوا العهد عند المسجد الحرام منهم ، فإن الله - جل ثناؤه - أمر المؤمنين بالوفاء لهم بعهدهم ، والاستقامة لهم عليه ، ما داموا عليه للمؤمنين مستقيمين .
واختلف أهل التأويل في الذين عنوا بقوله : ( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) .
فقال بعضهم : هم قوم من جذيمة بن الدئل .
ذكر من قال ذلك :
16490 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن مفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : ( السدي كيف يكون للمشركين عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) ، هم بنو جذيمة بن الدئل . [ ص: 142 ]
16491 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج قوله : ( محمد بن عباد بن جعفر إلا الذين عاهدتم من المشركين ) ، قال : هم جذيمة بكر كنانة .
16492 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( كيف يكون للمشركين ) ، الذين كانوا هم وأنتم على العهد العام ، بأن لا تخيفوهم ولا يخيفوكم في الحرمة ولا في الشهر الحرام ( عهد عند الله وعند رسوله إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) ، وهي قبائل بني بكر الذين كانوا دخلوا في عهد قريش وعقدهم يوم الحديبية ، إلى المدة التي كانت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش ، فلم يكن نقضها إلا هذا الحي من قريش ، وبنو الدئل من بكر ، فأمر بإتمام العهد لمن لم يكن نقض عهده من بني بكر إلى مدته ( فما استقاموا لكم ) ، الآية .
وقال آخرون : هم قريش . [ ص: 143 ]
ذكر من قال ذلك :
16493 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، قال : قال ابن جريج ابن عباس قوله : ( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) ، هم قريش .
16494 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : ( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) ، يعني : أهل مكة .
16495 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) ، يقول : هم قوم كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم مدة ، ولا ينبغي لمشرك أن يدخل المسجد الحرام ولا يعطي المسلم الجزية . ( فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) ، يعني : أهل العهد من المشركين .
16496 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) ، قال : هؤلاء قريش . وقد نسخ هذا الأشهر التي ضربت لهم ، وغدروا بهم فلم يستقيموا ، كما قال الله ، فضرب لهم بعد الفتح أربعة أشهر ، يختارون من أمرهم : إما أن يسلموا ، وإما أن يلحقوا بأي بلاد شاءوا . قال : فأسلموا قبل الأربعة الأشهر ، وقبل قتل .
16497 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ) ، قال : هو يوم الحديبية ، قال : فلم يستقيموا ، نقضوا عهدهم ، [ ص: 144 ] أي أعانوا بني بكر حلف قريش ، على خزاعة حلف النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال آخرون : هم قوم من خزاعة .
ذكر من قال ذلك :
16498 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ، عن ابن جريج مجاهد : ( إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام ) ، قال : أهل العهد من خزاعة .
قال أبو جعفر : وأولى هذه الأقوال بالصواب عندي ، قول من قال : هم بعض بني بكر من كنانة ، ممن كان أقام على عهده ، ولم يكن دخل في نقض ما كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش يوم الحديبية من العهد مع قريش ، حين نقضوه بمعونتهم حلفاءهم من بني الدئل ، على حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم من خزاعة .
وإنما قلت : هذا القول أولى الأقوال في ذلك بالصواب ، لأن الله أمر نبيه والمؤمنين بإتمام العهد لمن كانوا عاهدوه عند المسجد الحرام ، ما استقاموا على عهدهم . وقد بينا أن هذه الآيات إنما نادى بها علي في سنة تسع من الهجرة ، وذلك بعد فتح مكة بسنة ، فلم يكن بمكة من قريش ولا خزاعة كافر يومئذ بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد ، فيؤمر بالوفاء له بعهده ما استقام على عهده ، لأن من كان منهم من ساكني مكة ، كان قد نقض العهد وحورب قبل نزول هذه الآيات . [ ص: 145 ]
وأما قوله : ( إن الله يحب المتقين ) ، فإن معناه : إن الله يحب من اتقى الله وراقبه في أداء فرائضه ، والوفاء بعهده لمن عاهده ، واجتناب معاصيه ، وترك الغدر بعهوده لمن عاهده .