القول في تأويل قوله ( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون    ( 16 ) ) 
قال أبو جعفر   : يقول تعالى ذكره للمؤمنين الذين أمرهم بقتال هؤلاء المشركين ، الذين نقضوا عهدهم الذي بينهم وبينه بقوله : ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم   ) ، الآية ، حاضا على جهادهم : ( أم حسبتم ) ، أيها المؤمنون أن يترككم الله بغير محنة يمتحنكم بها ، وبغير اختبار يختبركم به ، فيعرف الصادق منكم في دينه من الكاذب فيه ( ولما يعلم الله الذين جاهدوا   ) ، يقول : أحسبتم أن تتركوا بغير اختبار يعرف به أهل ولايته المجاهدين منكم في سبيله ، من المضيعين أمر الله في ذلك ، المفرطين ( ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله   ) ، يقول : ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ، والذين لم يتخذوا من دون الله ولا من دون رسوله ولا من دون المؤمنين ( وليجة ) . 
هو الشيء يدخل في آخر غيره ، يقال منه : "ولج فلان في كذا يلجه ، فهو وليجة" . 
وإنما عنى بها في هذا الموضع : البطانة من المشركين . نهى الله المؤمنين أن يتخذوا من عدوهم من المشركين أولياء  ، يفشون إليهم أسرارهم ( والله خبير بما تعملون   ) ، يقول : والله ذو خبرة بما تعملون ، من اتخاذكم من دون الله  [ ص: 164 ] ودون رسوله والمؤمنين به أولياء وبطانة ، بعد ما قد نهاكم عنه ، لا يخفى ذلك عليه ، ولا غيره من أعمالكم ، والله مجازيكم على ذلك ، إن خيرا فخيرا ، وإن شرا فشرا . 
وبنحو الذي قلت في معنى "الوليجة" ، قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
16548 - حدثني محمد بن الحسين  قال : حدثنا أحمد بن المفضل  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : ( ولا المؤمنين وليجة   ) ، يتولجها من الولاية للمشركين . 
16549 - حدثنا ابن حميد  قال : حدثنا حكام  ، عن أبي جعفر  ، عن الربيع   : ( وليجة   ) ، قال : دخلا . 
16550 - حدثني يونس  قال : أخبرنا ابن وهب  قال : قال ابن زيد  ، في قوله : ( أم حسبتم أن تتركوا   ) ، إلى قوله : ( وليجة   ) ، قال : أبى أن يدعهم دون التمحيص . وقرأ : ( أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم   ) ، وقرأ : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم   ) ، [ سورة آل عمران : 142 ] ، ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم   ) ، الآيات كلها ، [ سورة البقرة 214 ] أخبرهم أن لا يتركهم حتى يمحصهم ويختبرهم . وقرأ : ( الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون   ) ، لا يختبرون ( ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين   ) ، [ سورة العنكبوت : 1 - 3 ] ، أبى الله إلا أن يمحص . 
16551 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى  قال : حدثنا محمد بن ثور  ، عن معمر  ، عن الحسن   : ( وليجة   ) ، قال : هو الكفر والنفاق أو قال أحدهما .  [ ص: 165 ] 
وقيل : ( أم حسبتم ) ، ولم يقل : "أحسبتم" ، لأنه من الاستفهام المعترض في وسط الكلام ، فأدخلت فيه "أم" ليفرق بينه وبين الاستفهام المبتدأ . وقد بينت نظائر ذلك في غير موضع من الكتاب . 
				
						
						
