قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : إن عدة شهور السنة اثنا عشر شهرا في كتاب الله ، الذي كتب فيه كل ما هو كائن في قضائه الذي قضى ( يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ) ، يقول : هذه الشهور الاثنا عشر منها أربعة أشهر حرم كانت الجاهلية تعظمهن ، وتحرمهن ، وتحرم القتال فيهن ، حتى لو لقي الرجل منهم فيهن قاتل أبيه لم يهجه ، وهن : رجب مضر وثلاثة متواليات ، ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم . وبذلك تظاهرت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
16684 - حدثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي قال : حدثنا قال : حدثنا زيد بن حباب موسى بن عبيدة الربذي قال : حدثني صدقة بن يسار ، عن ابن عمر قال : بمنى في أوسط أيام التشريق ، فقال : يا أيها الناس ، إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، أولهن رجب مضر بين جمادى وشعبان ، وذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم . [ ص: 235 ] خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع
16685 - حدثنا محمد بن معمر قال : حدثنا روح قال : حدثنا أشعث عن ، عن محمد بن سيرين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة . إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات ، ورجب مضر بين جمادى وشعبان
16686 - حدثنا يعقوب قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم قال : حدثنا أيوب ، عن عن محمد بن سيرين ، أبي بكرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في حجة الوداع فقال : [ ص: 236 ] ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، السنة اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان .
16687 - حدثنا مجاهد بن موسى قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سليمان التيمي قال : حدثني رجل بالبحرين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته في حجة الوداع : " . ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب الذي بين جمادى وشعبان
16688 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ابن أبي نجيح إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ) ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب الذي بين جمادى وشعبان . قوله : (
16689 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم منى : ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متواليات : ذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" .
وهو قول عامة أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
16690 - حدثنا محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : ( السدي إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ) ، أما ( أربعة حرم ) ، فذو القعدة ، وذو الحجة ، والمحرم ، ورجب . وأما ( كتاب الله ) ، فالذي عنده .
16691 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب ) ، قال : يعرف بها شأن النسيء ، ما نقص من السنة .
16692 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد في قول الله : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله ) ، قال : يذكر بها شأن النسيء .
وأما قوله : ( ذلك الدين القيم ) ، فإن معناه : هذا الذي أخبرتكم به ، من أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله ، وأن منها أربعة حرما : هو الدين المستقيم ، كما : -
16693 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : حدثنا أسباط ، عن : ( ذلك الدين القيم ) ، يقول : المستقيم . السدي
16694 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : ابن زيد في قوله : ( ذلك الدين القيم ) ، قال : الأمر القيم . يقول : قال تعالى : واعلموا ، أيها الناس ، أن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله الذي كتب فيه كل ما هو كائن ، وأن من هذه الاثنى عشر شهرا أربعة أشهر حرما ، ذلك دين الله المستقيم ، لا ما يفعله النسيء من تحليله ما يحلل من شهور السنة ، وتحريمه ما يحرمه منها .
وأما قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ، فإن معناه : فلا تعصوا الله فيها ، ولا تحلوا فيهن ما حرم الله عليكم ، فتكسبوا أنفسكم ما لا قبل لها به من سخط الله وعقابه . كما : - [ ص: 238 ]
16695 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ، قال : الظلم العمل بمعاصي الله ، والترك لطاعته .
ثم اختلف أهل التأويل في الذي عادت عليه "الهاء" ، و"النون" في قوله : ( فيهن ) .
فقال بعضهم : عاد ذلك على "الاثنى العشر شهرا" ، وقال : معناه : فلا تظلموا في الأشهر كلها أنفسكم .
ذكر من قال ذلك :
16696 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ، في كلهن ، ثم خص من ذلك أربعة أشهر فجعلهن حرما ، وعظم حرماتهن ، وجعل الذنب فيهن أعظم ، والعمل الصالح والأجر أعظم .
16697 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا سويد بن عمرو ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ، قال : في الشهور كلها .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فلا تظلموا في الأربعة الأشهر الحرم أنفسكم و"الهاء والنون" عائدة على "الأشهر الأربعة" .
ذكر من قال ذلك :
16698 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : أما قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ، فإن الظلم في الأشهر الحرم [ ص: 239 ] أعظم خطيئة ووزرا ، من الظلم فيما سواها ، وإن كان الظلم على كل حال عظيما ، ولكن الله يعظم من أمره ما شاء . وقال : إن الله اصطفى صفايا من خلقه ، اصطفى من الملائكة رسلا ومن الناس رسلا ، واصطفى من الكلام ذكره ، واصطفى من الأرض المساجد ، واصطفى من الشهور رمضان والأشهر الحرم ، واصطفى من الأيام يوم الجمعة ، واصطفى من الليالي ليلة القدر ، فعظموا ما عظم الله ، فإنما تعظم الأمور بما عظمها الله عند أهل الفهم وأهل العقل .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : فلا تظلموا في تصييركم حرام الأشهر الأربعة حلالا وحلالها حراما أنفسكم .
ذكر من قال ذلك :
16699 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا ) ، إلى قوله : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ، : أي : لا تجعلوا حرامها حلالا ولا حلالها حراما ، كما فعل أهل الشرك ، فإنما النسيء ، الذي كانوا يصنعون من ذلك ، ( زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا ) ، الآية .
166700 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن بشار عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن ، عن قيس بن مسلم الحسن : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ، قال : "ظلم أنفسكم" ، أن لا تحرموهن كحرمتهن .
16701 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان ، عن عن قيس بن مسلم ، الحسن بن محمد بن علي : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ، قال : "ظلم أنفسكم" ، أن لا تحرموهن كحرمتهن .
16702 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا [ ص: 240 ] سفيان ، عن ، عن قيس بن مسلم الحسن بن محمد ، بنحوه .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، قول من قال : فلا تظلموا في الأشهر الأربعة أنفسكم ، باستحلال حرامها ، فإن الله عظمها وعظم حرمتها .
وإنما قلنا : ذلك أولى بالصواب في تأويله ، لقوله : ( فلا تظلموا فيهن ) ، فأخرج الكناية عنه مخرج الكناية عن جمع ما بين الثلاثة إلى العشرة ، وذلك أن العرب تقول فيما بين الثلاثة إلى العشرة ، إذا كنت عنه : "فعلنا ذلك لثلاث ليال خلون ، ولأربعة أيام بقين" وإذا أخبرت عما فوق العشرة إلى العشرين قالت : "فعلنا ذلك لثلاث عشرة خلت ، ولأربع عشرة مضت" فكان في قوله جل ثناؤه : ( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ، وإخراجه كناية عدد الشهور التي نهى المؤمنين عن ظلم أنفسهم فيهن مخرج عدد الجمع القليل من الثلاثة إلى العشرة ، الدليل الواضح على أن "الهاء والنون" ، من ذكر الأشهر الأربعة ، دون الاثنى العشر؛ لأن ذلك لو كان كناية عن "الاثنى عشر شهرا" ، لكان : فلا تظلموا فيها أنفسكم .
فإن قال قائل : فما أنكرت أن يكون ذلك كناية عن "الاثنى عشر" ، وإن كان الذي ذكرت هو المعروف في كلام العرب؟ فقد علمت أن [ من ] المعروف من كلامها ، إخراج كناية ما بين الثلاث إلى العشر ، بالهاء دون النون ، وقد قال الشاعر : [ ص: 241 ]
أصبحن في قرح وفي داراتها سبع ليال غير معلوفاتها
ولم يقل : "معلوفاتهن" ، وذلك كناية عن "السبع"؟
قيل : إن ذلك وإن كان جائزا ، فليس الأفصح الأعرف في كلامها . وتوجيه كلام الله إلى الأفصح الأعرف ، أولى من توجيهه إلى الأنكر .
فإن قال قائل : فإن كان الأمر على ما وصفت ، فقد يجب أن يكون مباحا لنا ظلم أنفسنا في غيرهن من سائر شهور السنة!
قيل : ليس ذلك كذلك ، بل ذلك حرام علينا في كل وقت وزمان ، ولكن الله عظم حرمة هؤلاء الأشهر وشرفهن على سائر شهور السنة ، فخص الذنب فيهن بالتعظيم ، كما خصهن بالتشريف ، وذلك نظير قوله : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ) [ سورة البقرة : 238 ] ، ولا شك أن الله قد أمرنا بالمحافظة على الصلوات المفروضات كلها بقوله : ( حافظوا على الصلوات ) ، ولم يبح ترك المحافظة عليهن ، بأمره بالمحافظة على الصلاة الوسطى ، ولكنه تعالى ذكره زادها تعظيما ، وعلى المحافظة عليها توكيدا وفي تضييعها تشديدا ، فكذلك ذلك في قوله : ( منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) .
وأما قوله : ( وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) ، فإنه يقول جل ثناؤه : وقاتلوا المشركين بالله ، أيها المؤمنون ، جميعا غير مختلفين ، مؤتلفين غير مفترقين ، كما يقاتلكم المشركون جميعا ، مجتمعين غير متفرقين ، كما : -
16703 - حدثني محمد بن الحسين قال : حدثنا أحمد بن المفضل قال : [ ص: 242 ] حدثنا أسباط ، عن : ( السدي وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة ) ، أما "كافة" ، فجميع ، وأمركم مجتمع .
16704 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو صالح قال : حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( وقاتلوا المشركين كافة ) ، يقول : جميعا .
16705 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( وقاتلوا المشركين كافة ) ، : أي : جميعا .
و"الكافة" في كل حال على صورة واحدة ، لا تذكر ولا تجمع ، لأنها وإن كانت بلفظ "فاعلة" ، فإنها في معنى المصدر ، ك"العافية" و"العاقبة" ، ولا تدخل العرب فيها "الألف واللام" ، لكونها آخر الكلام ، مع الذي فيها من معنى المصدر ، كما لم يدخلوها إذا قاتلوا : "قاموا معا" ، و"قاموا جميعا" .
وأما قوله : ( واعلموا أن الله مع المتقين ) ، فإن معناه : واعلموا أيها المؤمنون بالله ، أنكم إن قاتلتم المشركين كافة ، واتقيتم الله فأطعتموه فيما أمركم ونهاكم ، ولم تخالفوا أمره فتعصوه ، كان الله معكم على عدوكم وعدوه من المشركين ، ومن كان الله معه لم يغلبه شيء ، لأن الله مع من اتقاه فخافه وأطاعه فيما كلفه من أمره ونهيه . [ ص: 243 ]