[ ص: 440 ] القول في تأويل قوله : ( لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ( 101 ) )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - : ومن القوم الذين حول مدينتكم من الأعراب منافقون ، ومن أهل مدينتكم - أيضا - أمثالهم أقوام منافقون .
وقوله : ( مردوا على النفاق ) يقول : مرنوا عليه ودربوا به .
ومنه : " شيطان مارد ، ومريد " وهو الخبيث العاتي . ومنه قيل : " تمرد فلان على ربه " أي : عتا ، ومرن على معصيته واعتادها .
وقال ابن زيد في ذلك ما : -
17119 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ) قال : أقاموا عليه ، لم يتوبوا كما تاب الآخرون .
17120 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : ( ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ) أي لجوا فيه ، وأبوا غيره .
( لا تعلمهم ) يقول لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : لا تعلم يا محمد أنت هؤلاء المنافقين الذين وصفت لك صفتهم ممن حولكم من الأعراب ومن أهل المدينة [ ص: 441 ] ولكنا نحن نعلمهم كما : -
17121 - حدثنا الحسن قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا معمر عن قتادة في قوله : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ) إلى قوله : ( نحن نعلمهم ) قال : فما بال أقوام يتكلفون علم الناس ؟ فلان في الجنة وفلان في النار ! . فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال : لا أدري لعمري أنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس ، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفته الأنبياء قبلك . قال نبي الله نوح - عليه السلام - : ( وما علمي بما كانوا يعملون ) [ سورة الشعراء : 112 ] . وقال نبي الله شعيب - عليه السلام - : ( بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ ) [ سورة هود : 86 ] ، وقال الله لنبيه - عليه السلام - : ( لا تعلمهم نحن نعلمهم ) .
سنعذبهم مرتين ) يقول : سنعذب هؤلاء المنافقين مرتين ، إحداهما في الدنيا ، والأخرى في القبر . وقوله : (
ثم اختلف أهل التأويل في التي في الدنيا ما هي ؟
فقال بعضهم : هي فضيحتهم فضحهم الله بكشف أمورهم ، وتبيين سرائرهم للناس على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ذكر من قال ذلك :
17122 - حدثنا الحسين بن عمرو العنقزي قال : حدثنا أبي قال : حدثنا أسباط عن ، عن السدي أبي مالك ابن عباس في قول الله : ( وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق ) إلى قوله : ( عذاب عظيم ) قال : قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا يوم الجمعة ، فقال : اخرج يا فلان فإنك منافق . اخرج يا فلان فإنك منافق . فأخرج من المسجد ناسا منهم ، فضحهم . فلقيهم عمر وهم يخرجون من المسجد ، فاختبأ منهم حياء [ ص: 442 ] أنه لم يشهد الجمعة ، وظن أن الناس قد انصرفوا ، واختبئوا هم من عمر ظنوا أنه قد علم بأمرهم . فجاء عمر فدخل المسجد ، فإذا الناس لم يصلوا ، فقال له رجل من المسلمين : أبشر يا عمر فقد فضح الله المنافقين اليوم . فهذا العذاب الأول حين أخرجهم من المسجد . والعذاب الثاني عذاب القبر . عن
17123 - حدثني الحارث قال : حدثنا عبد العزيز قال : حدثنا سفيان عن ، عن السدي أبي مالك : ( سنعذبهم مرتين ) قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخطب فيذكر المنافقين ، فيعذبهم بلسانه . قال : وعذاب القبر .
[ وقال آخرون : ما يصيبهم من السبي والقتل والجوع والخوف في الدنيا . ]
ذكر من قال ذلك :
17124 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( سنعذبهم مرتين ) قال : القتل والسباء .
17125 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( سنعذبهم مرتين ) بالجوع وعذاب القبر . قال : ( ثم يردون إلى عذاب عظيم ) يوم القيامة .
17126 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا جعفر بن عون والقاسم ويحيى بن آدم عن سفيان عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( سنعذبهم مرتين ) قال : بالجوع والقتل وقال يحيى : الخوف والقتل .
17127 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا ابن يمان عن سفيان عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : بالجوع والقتل . [ ص: 443 ] 17128 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا يحيى بن يمان عن سفيان عن ، عن السدي أبي مالك : ( سنعذبهم مرتين ) قال : بالجوع ، وعذاب القبر .
17129 - حدثنا أحمد بن إسحاق قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( سنعذبهم مرتين ) قال : الجوع والقتل .
وقال آخرون : معنى ذلك : سنعذبهم عذابا في الدنيا ، وعذابا في الآخرة .
ذكر من قال ذلك :
17130 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة : ( سنعذبهم مرتين ) : عذاب الدنيا ، وعذاب القبر . ( ثم يردون إلى عذاب عظيم ) ذكر لنا أن حذيفة باثني عشر رجلا من المنافقين ، فقال : " ستة منهم تكفيكهم الدبيلة - سراج من نار جهنم - يأخذ في كتف أحدهم حتى تفضي إلى صدره ، وستة يموتون موتا . ذكر لنا أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أسر إلى - رحمه الله - كان إذا مات رجل يرى أنه منهم ، نظر إلى عمر بن الخطاب حذيفة فإن صلى عليه ، وإلا تركه . وذكر لنا أن عمر قال لحذيفة : أنشدك الله ، أمنهم أنا ؟ قال : لا والله ، ولا أومن منها أحدا بعدك .
17131 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر عن الحسن : ( سنعذبهم مرتين ) قال : عذاب الدنيا وعذاب القبر .
17132 - حدثنا محمد بن بشار قالا : حدثنا ومحمد بن العلاء بدل بن المحبر قال : حدثنا شعبة عن قتادة : ( سنعذبهم مرتين ) قال : عذابا في الدنيا ، وعذابا في القبر . [ ص: 444 ] 17133 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن قال : عذاب الدنيا ، وعذاب القبر ، ثم يردون إلى عذاب النار . ابن جريج
وقال آخرون : كان عذابهم إحدى المرتين مصائبهم في أموالهم وأولادهم ، والمرة الأخرى في جهنم .
ذكر من قال ذلك :
17134 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : ( سنعذبهم مرتين ) قال : أما عذاب في الدنيا ، فالأموال والأولاد ، وقرأ قول الله : ( فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا ) [ سورة التوبة : 55 ] بالمصائب فيهم ، هي لهم عذاب ، وهي للمؤمنين أجر . قال : وعذاب في الآخرة في النار ( ثم يردون إلى عذاب عظيم ) قال : النار .
وقال آخرون : بل إحدى المرتين الحدود ، والأخرى عذاب القبر .
ذكر ذلك عن ابن عباس من وجه غير مرتضى .
وقال آخرون : بل إحدى المرتين أخذ الزكاة من أموالهم ، والأخرى عذاب القبر . ذكر ذلك عن سليمان بن أرقم عن الحسن .
وقال آخرون : بل إحدى المرتين عذابهم بما يدخل عليهم من الغيظ في أمر الإسلام .
ذكر من قال ذلك :
17135 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة عن ابن إسحاق : ( سنعذبهم مرتين ) قال : العذاب الذي وعدهم مرتين فيما بلغني - غمهم بما هم [ ص: 445 ] فيه من أمر الإسلام ، وما يدخل عليهم من غيظ ذلك على غير حسبة ، ثم عذابهم في القبر إذا صاروا إليه ، ثم العذاب العظيم الذي يردون إليه عذاب الآخرة ، والخلد فيه .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب عندي أن يقال : إن الله أخبر أنه يعذب هؤلاء الذين مردوا على النفاق مرتين ، ولم يضع لنا دليلا يوصل به إلى علم صفة ذينك العذابين . وجائز أن يكون بعض ما ذكرنا عن القائلين ما أنبئنا عنهم . وليس عندنا علم بأي ذلك من أي . غير أن في قوله - جل ثناؤه - : ( ثم يردون إلى عذاب عظيم ) دلالة على أن العذاب في المرتين كلتيهما قبل دخولهم النار . والأغلب من إحدى المرتين أنها في القبر .
وقوله : ( ثم يردون إلى عذاب عظيم ) يقول : ثم يرد هؤلاء المنافقون بعد تعذيب الله إياهم مرتين إلى عذاب عظيم ، وذلك عذاب جهنم .