[ ص: 558 ] القول في تأويل قوله : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ( 119 ) )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - للمؤمنين - معرفهم سبيل النجاة من عقابه والخلاص من أليم عذابه - : ( يا أيها الذين آمنوا ) بالله ورسوله ( اتقوا الله ) وراقبوه بأداء فرائضه ، وتجنب حدوده ( وكونوا ) في الدنيا من أهل ولاية الله وطاعته ، تكونوا في الآخرة ( مع الصادقين ) في الجنة . يعني : مع من صدق الله الإيمان به ، فحقق قوله بفعله ، ولم يكن من أهل النفاق فيه ، الذين يكذب قيلهم فعلهم .
وإنما معنى الكلام : وكونوا مع الصادقين في الآخرة باتقاء الله في الدنيا ، كما قال - جل ثناؤه - : ( ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) [ سورة النساء : 69 ] .
وإنما قلنا ذلك معنى الكلام ؛ لأن كون المنافق مع المؤمنين غير نافعه بأي وجوه الكون كان معهم ، إن لم يكن عاملا عملهم . وإذا عمل عملهم فهو منهم ، وإذا كان منهم ، كان وجه الكلام أن يقال : ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) ولتوجيه الكلام إلى ما وجهنا من تأويله فسر ذلك من فسره من أهل التأويل بأن قال : معناه : وكونوا مع أبي بكر وعمر أو : مع النبي - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين - رحمة الله عليهم - .
ذكر من قال ذلك أو غيره في تأويله : [ ص: 559 ] 17451 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا يعقوب ، عن ، عن زيد بن أسلم نافع في قول الله : ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال : مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .
17452 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا حبويه أبو يزيد ، عن يعقوب القمي ، عن ، عن زيد بن أسلم نافع قال : قيل للثلاثة الذين خلفوا : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) محمد وأصحابه .
17453 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن عبد الرحمن المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : ( وكونوا مع الصادقين ) قال : مع أبي بكر وعمر وأصحابهما - رحمة الله عليهم - .
17454 - . . . . . . قال : حدثنا محمد بن يحيى قال : حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي قال : حدثنا خلف بن خليفة ، عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير في قول الله : ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال : مع أبي بكر وعمر - رحمة الله عليهما - .
17455 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن قوله : ( ابن جريج اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) قال : مع المهاجرين الصادقين .
وكان ابن مسعود فيما - ذكر عنه - يقرؤه : " وكونوا من الصادقين " ويتأوله : أن ذلك نهي من الله عن الكذب .
ذكر الرواية عنه بذلك :
17456 - حدثني المثنى قال : حدثنا آدم العسقلاني قال : حدثنا شعبة ، [ ص: 560 ] عن عمرو بن مرة قال : سمعت يقول : قال أبا عبيدة بن عبد الله بن مسعود ابن مسعود : إن الكذب لا يحل منه جد ولا هزل ، اقرءوا إن شئتم : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين " قال : وكذلك هي قراءة ابن مسعود : " من الصادقين " فهل ترون في الكذب رخصة ؟
17457 - . . . . . . قال : حدثنا سويد بن نصر قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا عبيدة ، عن عبد الله نحوه .
17458 - . . . . . . قال : حدثنا محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا عبيدة يحدث عن عبد الله قال : الكذب لا يصلح منه جد ولا هزل ، اقرءوا إن شئتم " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا من الصادقين " وهي كذلك في قراءة عبد الله فهل ترون من رخصة في الكذب ؟
17459 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : لا يصلح الكذب في هزل ولا جد . ثم تلا عبد الله : ( اتقوا الله وكونوا ) ما أدري أقال : " من الصادقين " أو ( مع الصادقين ) وهو في كتابي : ( مع الصادقين ) .
17460 - . . . . . . قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن أبي معمر ، عن عبد الله مثله .
17461 - . . . . . . قال : حدثنا أبي ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مرة ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله مثله .
قال أبو جعفر : والصحيح من التأويل في ذلك هو التأويل الذي ذكرناه عن نافع والضحاك . وذلك أن رسوم المصاحف كلها مجمعة على : ( وكونوا مع الصادقين ) وهي القراءة التي لا أستجيز لأحد القراءة بخلافها . [ ص: 561 ] وتأويل عبد الله - رحمة الله عليه - في ذلك على قراءته - تأويل صحيح ، غير أن القراءة بخلافها .