القول في تأويل قوله : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ( 128 ) )
قال أبو جعفر : يقول - تعالى ذكره - للعرب : ( لقد جاءكم ) - أيها القوم - رسول الله إليكم ( من أنفسكم ) تعرفونه ، لا من غيركم ، فتتهموه على أنفسكم في النصيحة لكم ( عزيز عليه ما عنتم ) أي : عزيز عليه عنتكم ، وهو دخول المشقة عليهم والمكروه والأذى ( حريص عليكم ) يقول : حريص على هدى ضلالكم وتوبتهم ورجوعهم إلى الحق ( بالمؤمنين رءوف ) : أي رفيق ( رحيم ) . [ ص: 585 ] وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
17504 - حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة ، عن عن أبيه في قوله : ( جعفر بن محمد لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) قال : لم يصبه شيء من شرك في ولادته .
17505 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن في قوله : ( جعفر بن محمد لقد جاءكم رسول من أنفسكم ) قال : لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية . قال : وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : . إني خرجت من نكاح ، ولم أخرج من سفاح
17506 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن ، عن أبيه بنحوه . جعفر بن محمد
17507 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم ) قال : جعله الله من أنفسهم ، فلا يحسدونه على ما أعطاه الله من النبوة والكرامة .
وأما قوله : ( عزيز عليه ما عنتم ) فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله .
فقال بعضهم : معناه : ما ضللتم .
ذكر من قال ذلك :
17508 - حدثنا أبو كريب قال : حدثنا طلق بن غنام قال : حدثنا الحكم بن ظهير عن ، عن السدي ابن عباس في قوله : ( عزيز عليه ما عنتم ) قال : ما ضللتم . [ ص: 586 ] وقال آخرون : بل معنى ذلك : عزيز عليه عنت مؤمنكم .
ذكر من قال ذلك :
17509 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( عزيز عليه ما عنتم ) : عزيز عليه عنت مؤمنهم .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب قول ابن عباس . وذلك أن الله عم بالخبر عن نبي الله أنه عزيز عليه ما عنت قومه ، ولم يخصص أهل الإيمان به . فكان - صلى الله عليه وسلم - [ كما جاء الخبر من ] الله به عزيزا عليه عنت جمعهم .
فإن قال قائل : وكيف يجوز أن يوصف - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان عزيزا عليه عنت جميعهم ، وهو يقتل كفارهم ، ويسبي ذراريهم ، ويسلبهم أموالهم ؟
قيل : إن إسلامهم - لو كانوا أسلموا - كان أحب إليه من إقامتهم على كفرهم وتكذيبهم إياه ، حتى يستحقوا ذلك من الله . وإنما وصفه الله - جل ثناؤه - بأنه عزيز عليه عنتهم ؛ لأنه كان عزيزا عليه أن يأتوا ما يعنتهم ، وذلك أن يضلوا فيستوجبوا العنت من الله بالقتل والسبي .
وأما " ما " التي في قوله : ( ما عنتم ) فإنه رفع بقوله : ( عزيز عليه ) ؛ لأن معنى الكلام ما ذكرت : عزيز عليه عنتكم .
وأما قوله : ( حريص عليكم ) فإن معناه : ما قد بينت ، وهو قول أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : [ ص: 587 ] 17510 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( حريص عليكم ) حريص على ضالهم أن يهديه الله .
17510 م - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله : ( حريص عليكم ) قال : حريص على من لم يسلم أن يسلم .