[ ص: 144 ] القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67nindex.php?page=treesubj&link=28981_31755_19784هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ( 67 ) )
قال
أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : إن ربكم أيها الناس الذي استوجب عليكم العبادة ، هو الرب الذي جعل لكم الليل وفصله من النهار ، لتسكنوا فيه مما كنتم فيه في نهاركم من التعب والنصب ، وتهدءوا فيه من التصرف والحركة للمعاش والعناء الذي كنتم فيه بالنهار (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67والنهار مبصرا ) ، يقول : وجعل النهار مبصرا ، فأضاف " الإبصار " إلى " النهار " وإنما يبصر فيه ، وليس " النهار " مما يبصر ، ولكن لما كان مفهوما في كلام العرب معناه ، خاطبهم بما في لغتهم وكلامهم ،
وذلك كما قال
جرير : لقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ونمت ، وما ليل المطي بنائم
فأضاف " النوم " إلى " الليل " ووصفه به ، ومعناه نفسه ، أنه لم يكن نائما فيه هو ولا بعيره .
يقول ، تعالى ذكره : فهذا الذي يفعل ذلك هو ربكم الذي خلقكم وما تعبدون ، لا ما لا ينفع ولا يضر ولا يفعل شيئا .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون ) يقول ، تعالى ذكره : إن في اختلاف حال الليل والنهار وحال أهلهما فيهما دلالة وحججا على أن الذي له العبادة خالصا بغير شريك ، هو الذي خلق الليل والنهار ، وخالف بينهما ، بأن جعل هذا للخلق
[ ص: 145 ] سكنا ، وهذا لهم معاشا ، دون من لا يخلق ولا يفعل شيئا ، ولا يضر ولا ينفع .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67لقوم يسمعون ) ، لأن المراد منه : الذين يسمعون هذه الحجج ويتفكرون فيها ، فيعتبرون بها ويتعظون . ولم يرد به : الذين يسمعون بآذانهم ، ثم يعرضون عن عبره وعظاته .
[ ص: 144 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67nindex.php?page=treesubj&link=28981_31755_19784هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ( 67 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَقُولُ ، تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنَّ رَبَّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ الَّذِي اسْتَوْجَبَ عَلَيْكُمُ الْعِبَادَةَ ، هُوَ الرَّبُّ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَفَصَلَهُ مِنَ النَّهَارِ ، لِتَسْكُنُوا فِيهِ مِمَّا كُنْتُمْ فِيهِ فِي نَهَارِكُمْ مِنَ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ ، وَتَهْدَءُوا فِيهِ مِنَ التَّصَرُّفِ وَالْحَرَكَةِ لِلْمَعَاشِ وَالْعَنَاءِ الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ بِالنَّهَارِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا ) ، يَقُولُ : وَجَعَلَ النَّهَارَ مُبْصِرًا ، فَأَضَافَ " الْإِبْصَارَ " إِلَى " النَّهَارِ " وَإِنَّمَا يُبْصَرُ فِيهِ ، وَلَيْسَ " النَّهَارُ " مِمَّا يُبْصِرُ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مَفْهُومًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعْنَاهُ ، خَاطَبَهُمْ بِمَا فِي لُغَتِهِمْ وَكَلَامِهِمْ ،
وَذَلِكَ كَمَا قَالَ
جَرِيرٌ : لَقَدْ لُمْتِنَا يَا أُمَّ غَيْلَانَ فِي السُّرَى وَنِمْتِ ، وَمَا لَيْلُ الْمَطِيِّ بِنَائِمِ
فَأَضَافَ " النَّوْمَ " إِلَى " اللَّيْلِ " وَوَصَفَهُ بِهِ ، وَمَعْنَاهُ نَفْسُهُ ، أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَائِمًا فِيهِ هُوَ وَلَا بَعِيرُهُ .
يَقُولُ ، تَعَالَى ذِكْرُهُ : فَهَذَا الَّذِي يَفْعَلُ ذَلِكَ هُوَ رَبُّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ ، لَا مَا لَا يَنْفَعُ وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) يَقُولُ ، تَعَالَى ذِكْرُهُ : إِنْ فِي اخْتِلَافِ حَالِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَحَالِ أَهْلِهِمَا فِيهِمَا دَلَّالَةً وَحُجَجًا عَلَى أَنَّ الَّذِي لَهُ الْعِبَادَةُ خَالِصًا بِغَيْرِ شَرِيكٍ ، هُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ، وَخَالَفَ بَيْنَهُمَا ، بِأَنَّ جَعَلَ هَذَا لِلْخَلْقِ
[ ص: 145 ] سَكَنًا ، وَهَذَا لَهُمْ مَعَاشًا ، دُونَ مَنْ لَا يَخْلُقُ وَلَا يَفْعَلُ شَيْئًا ، وَلَا يَضُرُّ وَلَا يَنْفَعُ .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ ) ، لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ : الَّذِينَ يَسْمَعُونَ هَذِهِ الْحُجَجَ وَيَتَفَكَّرُونَ فِيهَا ، فَيَعْتَبِرُونَ بِهَا وَيَتَّعِظُونَ . وَلَمْ يُرِدْ بِهِ : الَّذِينَ يَسْمَعُونَ بِآذَانِهِمْ ، ثُمَّ يُعْرِضُونَ عَنْ عِبَرِهِ وَعِظَاتِهِ .