القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ( 23 ) )
قال أبو جعفر : يقول ، تعالى ذكره : إن الذين صدقوا الله ورسوله ، وعملوا في الدنيا بطاعة الله و " أخبتوا إلى ربهم " .
واختلف أهل التأويل في معنى " الإخبات " .
فقال بعضهم : معنى ذلك : وأنابوا إلى ربهم .
ذكر من قال ذلك :
18095 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال حدثني عمي قال : حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم ) ، قال : " الإخبات " ، الإنابة
18096 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد عن قتادة قوله : ( وأخبتوا إلى ربهم ) ، يقول : وأنابوا إلى ربهم [ ص: 290 ]
وقال آخرون : معنى ذلك : وخافوا .
ذكر من قال ذلك :
18097 - حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله بن صالح قال : حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله : ( وأخبتوا إلى ربهم ) ، يقول : خافوا
وقال آخرون : معناه : اطمأنوا .
ذكر من قال ذلك :
18098 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا عيسى وحدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد : ( وأخبتوا إلى ربهم ) ، قال : اطمأنوا .
18099 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .
18100 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج عن عن ابن جريج مجاهد مثله .
وقال آخرون : معنى ذلك : خشعوا .
ذكر من قال ذلك :
18101 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن قتادة : ( وأخبتوا إلى ربهم ) ، " الإخبات " التخشع والتواضع
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال متقاربة المعاني ، وإن اختلفت ألفاظها ، لأن الإنابة إلى الله من خوف الله ، ومن ، والطمأنينة إليه من الخشوع له ، غير أن نفس " الإخبات " ، عند العرب : الخشوع والتواضع . [ ص: 291 ] الخشوع والتواضع لله بالطاعة
وقال : ( إلى ربهم ) ، ومعناه : وأخبتوا لربهم . وذلك أن العرب تضع " اللام " موضع " إلى " و " إلى " موضع " اللام " كثيرا ، كما قال تعالى : ( بأن ربك أوحى لها ) [ سورة الزلزلة : 5 ] بمعنى : أوحى إليها . وقد يجوز أن يكون قيل ذلك كذلك ، لأنهم وصفوا بأنهم عمدوا بإخباتهم إلى الله .
وقوله : ( أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون ) ، يقول : هؤلاء الذين هذه صفتهم ، هم سكان الجنة الذين لا يخرجون عنها ولا يموتون فيها ، ولكنهم فيها لابثون إلى غير نهاية .