[ ص: 353 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ( 48 ) )
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : يا نوح ، اهبط من الفلك إلى الأرض
( بسلام منا ) ، يقول : بأمن منا أنت ومن معك من إهلاكنا ( وبركات عليك ) ، يقول : وببركات عليك ( وعلى أمم ممن معك ) ، يقول : وعلى قرون تجيء من ذرية من معك من ولدك . فهؤلاء المؤمنون من ذرية نوح الذين سبقت لهم من الله السعادة ، وبارك عليهم قبل أن يخلقهم في بطون أمهاتهم وأصلاب آبائهم . ثم أخبر تعالى ذكره نوحا عما هو فاعل بأهل الشقاء من ذريته ، فقال له : ( وأمم ) ، يقول : وقرون وجماعة ( سنمتعهم ) في الحياة في الدنيا ، يقول : نرزقهم فيها ما يتمتعون به إلى أن يبلغوا آجالهم ( ثم يمسهم منا عذاب أليم ) ، يقول : ثم نذيقهم إذا وردوا علينا عذابا مؤلما موجعا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
18250 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن موسى بن عبيدة ، عن : ( محمد بن كعب القرظي قيل يانوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ) ، إلى آخر الآية ، قال : دخل في ذلك السلام كل مؤمن ومؤمنة إلى يوم القيامة ، ودخل في ذلك العذاب والمتاع كل كافر وكافرة إلى يوم القيامة .
18251 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو داود الحفري ، عن سفيان ، عن موسى بن عبيدة ، عن : ( محمد بن كعب القرظي قيل يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ) ، قال : دخل في الإسلام كل مؤمن ومؤمنة ، وفي الشرك كل كافر وكافرة .
18252 - حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، قراءة عن : ( ابن جريج وعلى أمم ممن معك ) ، يعني : ممن لم يولد . قد قضى البركات لمن سبق له في علم الله وقضائه السعادة ( وأمم سنمتعهم ) ، من سبق له في علم الله وقضائه الشقوة .
18253 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن بنحوه إلا أنه قال : ( ابن جريج وأمم سنمتعهم ) ، متاع الحياة الدنيا ، ممن قد سبق له في علم الله وقضائه الشقوة . قال : ولم يهلك الولد يوم غرق قوم نوح بذنب آبائهم ، كالطير والسباع ، ولكن جاء أجلهم مع الغرق .
18254 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ) ، قال : هبطوا والله عنهم راض ، هبطوا بسلام من الله . كانوا أهل رحمة من أهل ذلك الدهر ، ثم أخرج منهم نسلا بعد ذلك أمما ، منهم من رحم ، ومنهم من عذب . وقرأ : ( وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ) ، وذلك إنما افترقت الأمم من تلك العصابة التي خرجت من ذلك الماء وسلمت .
18255 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، [ ص: 355 ] حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك ) ، الآية ، يقول : بركات عليك وعلى أمم ممن معك لم يولدوا ، أوجب الله لهم البركات لما سبق لهم في علم الله من السعادة ( قوله : ( وأمم سنمتعهم ) ، يعني : متاع الحياة الدنيا ( ثم يمسهم منا عذاب أليم ) ، لما سبق لهم في علم الله من الشقاوة .
18256 - حدثني المثنى قال ، حدثنا الحجاج بن المنهال قال ، حدثنا حماد ، عن حميد ، عن الحسن : أنه كان إذا قرأ "سورة هود " ، فأتى على : ( يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك ) ، حتى ختم الآية ، قال الحسن : فأنجى الله نوحا والذين آمنوا ، وهلك المتمتعون ! حتى ذكر الأنبياء كل ذلك يقول : أنجاه الله وهلك المتمتعون .
18257 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : ( سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ) ، قال : بعد الرحمة .
18258 - حدثنا العباس بن الوليد قال ، أخبرني أبي قال ، أخبرنا عبد الله بن شوذب قال ، سمعت يحدث ، عن داود بن أبي هند الحسن : أنه أتى على هذه الآية : ( اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم ) ، قال : فكان ذلك حين بعث الله عادا ، فأرسل إليهم هودا ، فصدقه مصدقون ، وكذبه مكذبون ، حتى جاء أمر الله . فلما جاء أمر الله نجى الله هودا والذين آمنوا معه ، وأهلك الله المتمتعين ، ثم بعث الله ثمود ، فبعث إليهم صالحا ، فصدقه مصدقون وكذبه مكذبون ، حتى جاء أمر الله . فلما جاء أمر الله نجى الله صالحا والذين آمنوا معه وأهلك الله المتمتعين . ثم استقرأ الأنبياء نبيا نبيا ، على نحو من هذا .