قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ( ولقد جاءت رسلنا ) ، من الملائكة وهم فيما ذكر ، كانوا جبريل وملكين آخرين . وقيل : إن الملكين الآخرين كانا [ ص: 382 ] ميكائيل وإسرافيل معه ( إبراهيم ) ، يعني : إبراهيم خليل الله ( بالبشرى ) ، يعني : بالبشارة .
واختلفوا في تلك البشارة التي أتوه بها .
فقال بعضهم : هي البشارة بإسحاق .
وقال بعضهم : هي قوم لوط . البشارة بهلاك
( قالوا سلاما ) ، يقول : فسلموا عليه سلاما .
ونصب "سلاما" بإعمال "قالوا" فيه ، كأنه قيل : قالوا قولا وسلموا تسليما .
( قال سلام ) ، يقول : قال إبراهيم لهم : سلام فرفع "سلام" ، بمعنى : عليكم السلام أو بمعنى : سلام منكم .
وقد ذكر عن العرب أنها تقول : "سلم" بمعنى السلام ، كما قالوا : "حل وحلال" ، وحرم وحرام" . وذكر الفراء أن بعض العرب أنشده :
مررنا فقلنا إبه سلم فسلمت كما اكتل بالبرق الغمام اللوائح [ ص: 383 ]
بمعنى سلام . وقد روي "كما انكل" .
وقد زعم بعضهم أن معناه إذا قرئ كذلك : نحن سلم لكم من "المسالمة" التي هي خلاف المحاربة .
وهذه قراءة عامة قرأة الكوفيين .
وقرأ ذلك عامة قرأة الحجاز والبصرة ، ( قالوا سلاما قال سلام ) ، على أن الجواب من إبراهيم صلى الله عليه وسلم لهم ، بنحو تسليمهم : عليكم السلام .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، لأن "السلم " قد يكون بمعنى "السلام " على ما وصفت ، و"السلام " بمعنى "السلم" ، لأن التسليم لا يكاد يكون إلا بين أهل السلم دون الأعداء ، فإذا ذكر تسليم من قوم على قوم ، ورد الآخرين عليهم ، دل ذلك على مسالمة بعضهم بعضا . وهما مع ذلك قراءتان قد قرأ بكل واحدة منهما أهل قدوة في القراءة ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب الصواب .
وقوله : ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) .
وأصله "محنوذ" ، صرف من "مفعول" إلى "فعيل" .
وقد اختلف أهل العربية في معناه ، فقال بعض أهل البصرة منهم معنى "المحنوذ" : المشوي ، قال : ويقال منه : "حنذت فرسي" ، بمعنى سخنته وعرقته . واستشهد لقوله ذلك ببيت الراجز : [ ص: 384 ]
ورهبا من حنذه أن يهرجا
وقال آخر منهم : "حنذ فرسه" : أي أضمره ، وقال : قالوا حنذه يحنذه حنذا : أي : عرقه .
وقال بعض أهل الكوفة : كل ما انشوى في الأرض ، إذا خددت له فيه ، فدفنته وغممته ، فهو "الحنيذ" و"المحنوذ" . قال : والخيل تحنذ ، إذا ألقيت عليها الجلال بعضها على بعض لتعرق . قال : ويقال : "إذا سقيت فأحنذ" ، يعني : أخفس ، يريد : أقل الماء ، وأكثر النبيذ .
وأما [ أهل ] التأويل ، فإنهم قالوا في معناه ما أنا ذاكره ، وذلك ما : -
18297 - حدثني به المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : ( بعجل حنيذ ) ، يقول : نضيج
18298 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بعجل حنيذ ) ، قال : "بعجل" ، حسيل [ ص: 385 ] البقر ، و"الحنيذ" : المشوي النضيج .
18299 - حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد قوله : ( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ) إلى ( بعجل حنيذ ) ، قال : نضيج ، سخن ، أنضج بالحجارة .
18300 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) ، و"الحنيذ" : النضيج .
18301 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : ( بعجل حنيذ ) ، قال : نضيج . قال : [ وقال الكلبي ] : و"الحنيذ" : الذي يحنذ في الأرض .
18302 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر في قوله : ( فجاء بعجل حنيذ ) ، قال : "الحنيذ" : الذي يقطر ماء ، وقد شوي وقال حفص : "الحنيذ" : مثل حناذ الخيل .
18303 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن قال : ذبحه ثم شواه في الرضف ، فهو "الحنيذ" حين شواه . السدي
18304 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو يزيد ، عن يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية : ( فجاء بعجل حنيذ ) ، قال : المشوي الذي يقطر . [ ص: 386 ]
18305 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا هشام قال ، حدثنا يعقوب ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، قال : "الحنيذ" الذي يقطر ماؤه وقد شوي .
18306 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا المحاربي ، عن جويبر ، عن الضحاك : ( بعجل حنيذ ) ، قال : نضيج .
18307 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : ( بعجل حنيذ ) ، الذي أنضج بالحجارة .
18308 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان : ( فما لبث أن جاء بعجل حنيذ ) ، قال : مشوي .
18309 - حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد ، أنه سمع يقول : "حنيذ" ، يعني : شوي . وهب بن منبه
18310 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال ، "الحناذ" : الإنضاج .
قال أبو جعفر : وهذه الأقوال التي ذكرناها عن أهل العربية وأهل التفسير متقاربات المعاني بعضها من بعض .
وموضع "أن" في قوله : ( أن جاء بعجل حنيذ ) نصب بقوله : ( فما لبث أن جاء ) .