قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فبشرنا سارة امرأة إبراهيم ثوابا منا لها على نكيرها وعجبها من فعل قوم لوط ( بإسحاق ) ، ولدا لها ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، يقول : ومن خلف إسحاق يعقوب ، من ابنها إسحاق .
و"الوراء" في كلام العرب ، ولد الولد ، وكذلك تأوله أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
18321 - حدثنا حميد بن مسعدة قال ، حدثنا بشر بن المفضل قال ، حدثنا داود ، عن عامر قال : ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، قال : الوراء : ولد الولد .
18322 - حدثنا عمرو بن علي قال كل واحد منهما ، حدثني ومحمد بن المثنى ، أبو اليسع إسماعيل بن حماد بن أبي المغيرة مولى الأشعري ، قال : كنت إلى جنب جدي أبي المغيرة بن مهران ، في مسجد علي بن زيد ، فمر بنا فقال : يا الحسن بن أبي الحسن أبا المغيرة من هذا الفتى؟ قال : ابني من ورائي ، [ ص: 395 ] فقال الحسن : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) .
18323 - حدثنا عمرو بن علي قالا حدثنا ومحمد بن المثنى محمد بن أبي عدي قال ، حدثنا ، عن داود بن أبي هند الشعبي في قوله : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، قال : ولد الولد هو "الوراء" .
18324 - حدثني إسحاق بن شاهين قال ، حدثنا خالد ، عن داود ، عن عامر في قوله : ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، قال : "الوراء" ، ولد الولد .
18325 - حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا عن ابن علية ، داود ، عن الشعبي ، مثله .
18326 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو عمرو الأزدي قال : سمعت الشعبي يقول : ولد الولد : هم الولد من الوراء .
18327 - حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت قال : جاء رجل إلى ابن عباس ومعه ابن ابنه فقال : من هذا معك؟ قال : هذا ابن ابني . قال : هذا ولدك من الوراء! قال : فكأنه شق على ذلك الرجل ، فقال ابن عباس : إن الله يقول : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، فولد الولد هم الوراء .
18328 - حدثني موسى بن هارون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن قال : لما ضحكت السدي سارة . وقالت : "عجبا لأضيافنا هؤلاء ، إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا " ! قال لها جبريل : أبشري بولد اسمه إسحاق ، ومن وراء إسحاق يعقوب . فضربت وجهها عجبا ، فذلك قوله : ( فصكت وجهها ) ، [ سورة الذاريات : 29 ] . وقالت : ( أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشيء عجيب ) [ ص: 396 ] قالوا ( أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ) ، قالت سارة : ما آية ذلك؟ قال : فأخذ بيده عودا يابسا فلواه بين أصابعه ، فاهتز أخضر ، فقال إبراهيم : هو لله إذا ذبيحا .
18329 - حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : ( فضحكت ) يعني سارة لما عرفت من أمر الله جل ثناؤه ولما تعلم من قوم لوط فبشروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب _ بابن وبابن ابن _ . فقالت وصكت وجهها يقال : ضربت على جبينها : ( يا ويلتا أألد وأنا عجوز ) ، إلى قوله : ( إنه حميد مجيد ) .
واختلفت القرأة في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قرأة العراق والحجاز : ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، برفع "يعقوب " ، ويعيد ابتداء الكلام بقوله . ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، وذلك وإن كان خبرا مبتدأ ، ففيه دلالة على معنى التبشير .
وقرأه بعض قراء أهل الكوفة والشام ، ( ومن وراء إسحاق يعقوب ) نصبا .
فأما الشامي منهما ، فذكر أنه كان ينحو ب" يعقوب " نحو النصب بإضمار فعل آخر مشاكل للبشارة ، كأنه قال : ووهبنا له من وراء إسحاق يعقوب . فلما لم يظهر "وهبنا" عمل فيه "التبشير" وعطف به على موضع "إسحاق " ، إذ كان "إسحاق" وإن كان مخفوضا ، فإنه بمعنى المنصوب بعمل "بشرنا" ، فيه ، كما قال الشاعر :
جئني بمثل بني بدر لقومهم أو مثل أسرة منظور بن سيار
[ ص: 397 ]أو عامر بن طفيل في مركبه أو حارثا ، يوم نادى القوم : يا حار
وأما الكوفي منهما فإنه قرأه بتأويل الخفض فيما ذكر عنه ، غير أنه نصبه لأنه لا يجرى . وقد أنكر ذلك أهل العلم بالعربية من أجل دخول الصفة بين حرف العطف والاسم . وقالوا : خطأ أن يقال : "مررت بعمرو في الدار وفي الدار زيد " وأنت عاطف ب "زيد" على "عمرو" ، إلا بتكرير الباء وإعادتها ، فإن لم تعد كان وجه الكلام عندهم الرفع ، وجاز النصب ، فإن قدم الاسم على الصفة جاز حينئذ الخفض ، وذلك إذا قلت : "مررت بعمرو في الدار وزيد في البيت" . وقد أجاز الخفض ، والصفة معترضة بين حرف العطف والاسم ، بعض نحويي البصرة .
قال أبو جعفر : وأولى القراءتين في ذلك بالصواب عندي قراءة من قرأه رفعا ، لأن ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب ، والذي لا يتناكره أهل العلم بالعربية ، وما عليه قرأة الأمصار . فأما النصب فيه فإن له وجها ، غير أني لا أحب القراءة به ، لأن كتاب الله نزل بأفصح ألسن العرب ، والذي هو أولى بالعلم بالذي نزل به من الفصاحة .