القول في تأويل قوله ( اهدنا ) .
قال
أبو جعفر : nindex.php?page=treesubj&link=28972_28685_28684ومعنى قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم ) ، في هذا الموضع عندنا : وفقنا للثبات عليه ، كما روي ذلك عن
ابن عباس : -
173 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
عثمان بن سعيد ، قال : حدثنا
بشر بن عمارة ، قال : حدثنا
أبو روق ، عن
الضحاك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11عبد الله بن عباس ، قال : قال
جبريل لمحمد صلى الله عليه : " قل ، يا
محمد ، nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم " . يقول : ألهمنا الطريق الهادي .
وإلهامه إياه ذلك ، هو توفيقه له ، كالذي قلنا في تأويله . ومعناه نظير معنى قوله : " إياك نستعين " ، في أنه مسألة العبد ربه التوفيق للثبات على العمل بطاعته ، وإصابة الحق والصواب فيما أمره به ونهاه عنه ، فيما يستقبل من عمره ، دون ما قد مضى من أعماله ، وتقضى فيما سلف من عمره . كما في قوله : "إياك نستعين " ، مسألة منه ربه المعونة على أداء ما قد كلفه من طاعته ، فيما بقي من عمره .
فكان معنى الكلام : اللهم إياك نعبد وحدك لا شريك لك ، مخلصين لك العبادة دون ما سواك من الآلهة والأوثان ، فأعنا على عبادتك ، ووفقنا لما
[ ص: 167 ] وفقت له من أنعمت عليه من أنبيائك وأهل طاعتك ، من السبيل والمنهاج .
فإن قال قائل : وأنى وجدت الهداية في كلام العرب بمعنى التوفيق ؟
قيل له : ذلك في كلامها أكثر وأظهر من أن يحصى عدد ما جاء عنهم في ذلك من الشواهد . فمن ذلك قول الشاعر :
لا تحرمني ، هداك الله ، مسألتي ولا أكونن كمن أودى به السفر
يعني به : وفقك الله لقضاء حاجتي . ومنه قول الآخر :
ولا تعجلني هداك المليك فإن لكل مقام مقالا
فمعلوم أنه إنما أراد : وفقك الله لإصابة الحق في أمري .
ومنه قول الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258والله لا يهدي القوم الظالمين ) في غير آية من تنزيله . وقد علم بذلك ، أنه لم يعن أنه لا يبين للظالمين الواجب عليهم من فرائضه . وكيف يجوز أن يكون ذلك معناه ، وقد عم بالبيان جميع المكلفين من خلقه ؟ ولكنه عنى جل وعز أنه لا يوفقهم ، ولا يشرح للحق والإيمان صدورهم .
وقد زعم بعضهم أن تأويل قوله : ( اهدنا ) : زدنا هداية .
وليس يخلو هذا القول من أحد أمرين : إما أن يكون ظن قائله أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمسألة الزيادة في البيان ، أو الزيادة في المعونة والتوفيق .
فإن كان ظن أنه أمر بمسألة ربه الزيادة في البيان ، فذلك ما لا وجه له; لأن الله جل ثناؤه لا يكلف عبدا فرضا من فرائضه ، إلا بعد تبيينه له وإقامة الحجة عليه به . ولو كان معنى ذلك معنى مسألته البيان ، لكان قد أمر أن يدعو ربه أن يبين له ما فرض عليه ، وذلك من الدعاء خلف ، لأنه لا يفرض فرضا إلا مبينا
[ ص: 168 ] لمن فرضه عليه . أو يكون أمر أن يدعو ربه أن يفرض عليه الفرائض التي لم يفرضها .
وفي فساد وجه مسألة العبد ربه ذلك ، ما يوضح عن أن معنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم ) ، غير معنى : بين لنا فرائضك وحدودك .
أو يكون ظن أنه أمر بمسألة ربه الزيادة في المعونة والتوفيق . فإن كان ذلك كذلك ، فلن تخلو مسألته تلك الزيادة من أن تكون مسألة للزيادة في المعونة على ما قد مضى من عمله ، أو على ما يحدث .
وفي ارتفاع حاجة العبد إلى المعونة على ما قد تقضى من عمله ، ما يعلم أن معنى مسألة تلك الزيادة إنما هو مسألته الزيادة لما يحدث من عمله . وإذ كان ذلك كذلك ، صار الأمر إلى ما وصفنا وقلنا في ذلك : من أنه مسألة العبد ربه التوفيق لأداء ما كلف من فرائضه ، فيما يستقبل من عمره .
وفي صحة ذلك ، فساد قول أهل القدر الزاعمين أن كل مأمور بأمر أو مكلف فرضا ، فقد أعطي من المعونة عليه ، ما قد ارتفعت معه في ذلك الفرض حاجته إلى ربه . لأنه لو كان الأمر على ما قالوا في ذلك ، لبطل معنى قول الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم ) . وفي صحة معنى ذلك ، على ما بينا ، فساد قولهم .
وقد زعم بعضهم أن معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم ) : أسلكنا طريق الجنة في المعاد ، أي قدمنا له وامض بنا إليه ، كما قال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=23فاهدوهم إلى صراط الجحيم ) سورة الصافات : 23 ، أي أدخلوهم النار ، كما تهدى المرأة إلى زوجها ، يعني بذلك أنها تدخل إليه ، وكما تهدى الهدية إلى الرجل ، وكما تهدي الساق القدم ، نظير قول
طرفة بن العبد :
[ ص: 169 ] لعبت بعدي السيول به وجرى في رونق رهمه
للفتى عقل يعيش به حيث تهدي ساقه قدمه
أي ترد به الموارد .
وفي قول الله جل ثناؤه (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين ) ما ينبئ عن خطأ هذا التأويل ، مع شهادة الحجة من المفسرين على تخطئته . وذلك أن جميع المفسرين من الصحابة والتابعين مجمعون على أن معنى " الصراط " في هذا الموضع ، غير المعنى الذي تأوله قائل هذا القول ، وأن قوله : " إياك نستعين " مسألة العبد ربه المعونة على عبادته . فكذلك قوله " اهدنا " إنما هو مسألة الثبات على الهدى فيما بقي من عمره .
والعرب تقول : هديت فلانا الطريق ، وهديته للطريق ، وهديته إلى الطريق ، إذا أرشدته إليه وسددته له . وبكل ذلك جاء القرآن ، قال الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا ) سورة الأعراف : 43 ، وقال في موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم ) سورة النحل : 121 ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم ) .
وكل ذلك فاش في منطقها ، موجود في كلامها ، من ذلك قول الشاعر :
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ، رب العباد ، إليه الوجه والعمل
[ ص: 170 ]
يريد : أستغفر الله لذنب ، كما قال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55واستغفر لذنبك ) سورة غافر : 55 .
ومنه قول
نابغة بني ذبيان :
فيصيدنا العير المدل بحضره قبل الونى والأشعب النباحا
يريد : فيصيد لنا . وذلك كثير في أشعارهم وكلامهم ، وفيما ذكرنا منه كفاية .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ( اهْدِنَا ) .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : nindex.php?page=treesubj&link=28972_28685_28684وَمَعْنَى قَوْلِهِ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عِنْدَنَا : وَفِّقْنَا لِلثَّبَاتِ عَلَيْهِ ، كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : -
173 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ عِمَارَة ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو رَوْقٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : قَالَ
جِبْرِيلُ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : " قُلْ ، يَا
مُحَمَّدُ ، nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ " . يَقُولُ : أَلْهِمْنَا الطَّرِيقَ الْهَادِيَ .
وَإِلْهَامُهُ إِيَّاهُ ذَلِكَ ، هُوَ تَوْفِيقُهُ لَهُ ، كَالَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِهِ . وَمَعْنَاهُ نَظِيرُ مَعْنَى قَوْلِهِ : " إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " ، فِي أَنَّهُ مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ التَّوْفِيقَ لِلثَّبَاتِ عَلَى الْعَمَلِ بِطَاعَتِهِ ، وَإِصَابَةِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ فِيمَا أَمَرَهُ بِهِ وَنَهَاهُ عَنْهُ ، فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عُمُرِهِ ، دُونَ مَا قَدْ مَضَى مِنْ أَعْمَالِهِ ، وَتَقَضَّى فِيمَا سَلَفَ مِنْ عُمُرِهِ . كَمَا فِي قَوْلِهِ : "إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " ، مَسْأَلَةٌ مِنْهُ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى أَدَاءِ مَا قَدْ كَلَّفَهُ مِنْ طَاعَتِهِ ، فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ .
فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ : اللَّهُمَّ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ، مُخْلِصِينَ لَكَ الْعِبَادَةَ دُونَ مَا سِوَاكَ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ ، فَأَعِنَّا عَلَى عِبَادَتِكَ ، وَوَفِّقْنَا لِمَا
[ ص: 167 ] وَفَّقْتَ لَهُ مَنْ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْبِيَائِكَ وَأَهْلِ طَاعَتِكَ ، مِنَ السَّبِيلِ وَالْمِنْهَاجِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَأَنَّى وَجَدْتَ الْهِدَايَةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ بِمَعْنَى التَّوْفِيقِ ؟
قِيلَ لَهُ : ذَلِكَ فِي كَلَامِهَا أَكْثَرُ وَأَظْهَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى عَدَدُ مَا جَاءَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الشَّوَاهِدِ . فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
لَا تَحْرِمَنِّي ، هَدَاكَ اللَّهُ ، مَسْأَلَتِي وَلَا أكُونَنْ كَمَنْ أَوْدَى بِهِ السَّفَرُ
يَعْنِي بِهِ : وَفَّقَكَ اللَّهُ لِقَضَاءِ حَاجَتِي . وَمِنْهُ قَوْلُ الْآخَرِ :
وَلَا تُعْجِلَنِّي هَدَاكَ الْمَلِيكُ فَإِنَّ لِكُلِّ مَقَامٍ مَقَالَا
فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ : وَفَّقَكَ اللَّهُ لِإِصَابَةِ الْحَقِّ فِي أَمْرِي .
وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=258وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) فِي غَيْرِ آيَةٍ مِنْ تَنْزِيلِهِ . وَقَدْ عُلِمَ بِذَلِكَ ، أَنَّهُ لَمْ يَعْنِ أَنَّهُ لَا يُبَيِّنُ لِلظَّالِمِينَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِمْ مِنْ فَرَائِضِهِ . وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ ، وَقَدْ عَمَّ بِالْبَيَانِ جَمِيعَ الْمُكَلَّفِينَ مَنْ خَلْقِهِ ؟ وَلَكِنَّهُ عَنَى جَلَّ وَعَزَّ أَنَّهُ لَا يُوَفِّقُهُمْ ، وَلَا يَشْرَحُ لِلْحَقِّ وَالْإِيمَانِ صُدُورَهُمْ .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ : ( اهْدِنَا ) : زِدْنَا هِدَايَةً .
وَلَيْسَ يَخْلُو هَذَا الْقَوْلُ مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ يَكُونَ ظَنَّ قَائِلُهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ الزِّيَادَةِ فِي الْبَيَانِ ، أَوِ الزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ .
فَإِنْ كَانَ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبِّهِ الزِّيَادَةَ فِي الْبَيَانِ ، فَذَلِكَ مَا لَا وَجْهَ لَهُ; لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَا يُكَلِّفُ عَبْدًا فَرْضًا مِنْ فَرَائِضِهِ ، إِلَّا بَعْدَ تَبْيِينِهِ لَهُ وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِهِ . وَلَوْ كَانَ مَعْنَى ذَلِكَ مَعْنَى مَسْأَلَتِهِ الْبَيَانَ ، لَكَانَ قَدْ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَ رَبَّهُ أَنْ يُبَيِّنَ لَهُ مَا فَرَضَ عَلَيْهِ ، وَذَلِكَ مِنَ الدُّعَاءِ خَلْفٌ ، لِأَنَّهُ لَا يَفْرِضُ فَرْضًا إِلَّا مُبَيَّنًا
[ ص: 168 ] لِمَنْ فَرَضَهُ عَلَيْهِ . أَوْ يَكُونُ أُمِرَ أَنْ يَدْعُوَ رَبَّهُ أَنْ يَفْرِضَ عَلَيْهِ الْفَرَائِضَ الَّتِي لَمْ يَفْرِضْهَا .
وَفِي فَسَادِ وَجْهِ مَسْأَلَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ ذَلِكَ ، مَا يُوَضِّحُ عَنْ أَنَّ مَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، غَيْرُ مَعْنَى : بَيِّنْ لَنَا فَرَائِضَكَ وَحُدُودَكَ .
أَوْ يَكُونُ ظَنَّ أَنَّهُ أُمِرَ بِمَسْأَلَةِ رَبِّهِ الزِّيَادَةَ فِي الْمَعُونَةِ وَالتَّوْفِيقِ . فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَلَنْ تَخْلُوَ مَسْأَلَتُهُ تِلْكَ الزِّيَادَةَ مِنْ أَنْ تَكُونَ مَسْأَلَةً لِلزِّيَادَةِ فِي الْمَعُونَةِ عَلَى مَا قَدْ مَضَى مِنْ عَمَلِهِ ، أَوْ عَلَى مَا يَحْدُثُ .
وَفِي ارْتِفَاعِ حَاجَةِ الْعَبْدِ إِلَى الْمَعُونَةِ عَلَى مَا قَدْ تَقَضَّى مِنْ عَمَلِهِ ، مَا يُعْلِمُ أَنَّ مَعْنَى مَسْأَلَةِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَتُهُ الزِّيَادَةَ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ عَمَلِهِ . وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، صَارَ الْأَمْرُ إِلَى مَا وَصَفْنَا وَقُلْنَا فِي ذَلِكَ : مِنْ أَنَّهُ مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ التَّوْفِيقَ لِأَدَاءِ مَا كُلِّفَ مِنْ فَرَائِضِهِ ، فِيمَا يَسْتَقْبِلُ مِنْ عُمُرِهِ .
وَفِي صِحَّةِ ذَلِكَ ، فَسَادُ قَوْلِ أَهْلِ الْقَدَرِ الزَّاعِمِينَ أَنَّ كُلَّ مَأْمُورٍ بِأَمْرٍ أَوْ مُكَلَّفٍ فَرْضًا ، فَقَدْ أُعْطِيَ مِنَ الْمَعُونَةِ عَلَيْهِ ، مَا قَدِ ارْتَفَعَتْ مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْضِ حَاجَتُهُ إِلَى رَبِّهِ . لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا قَالُوا فِي ذَلِكَ ، لَبَطَلَ مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) . وَفِي صِحَّةِ مَعْنَى ذَلِكَ ، عَلَى مَا بَيَّنَّا ، فَسَادُ قَوْلِهِمْ .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) : أَسْلِكْنَا طَرِيقَ الْجَنَّةِ فِي الْمَعَادِ ، أَيْ قَدِّمْنَا لَهُ وَامْضِ بِنَا إِلَيْهِ ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=23فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ) سُورَةُ الصَّافَّاتِ : 23 ، أَيْ أَدْخِلُوهُمُ النَّارَ ، كَمَا تُهْدَى الْمَرْأَةُ إِلَى زَوْجِهَا ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّهَا تُدْخَلُ إِلَيْهِ ، وَكَمَا تُهْدَى الْهَدِيَّةُ إِلَى الرَّجُلِ ، وَكَمَا تَهْدِي السَّاقَ الْقَدَمُ ، نَظِيرَ قَوْلِ
طَرَفَةَ بْنِ الْعَبْدِ :
[ ص: 169 ] لَعِبَتْ بَعْدِي السُّيُولُ بِهِ وجَرَى فِي رَوْنَقٍ رِهْمُهْ
لِلْفَتَى عَقْلٌ يَعِيشُ بِهِ حَيْثُ تَهْدِي سَاقَهُ قَدَمُهْ
أَيْ تَرِدُ بِهِ الْمَوَارِدُ .
وَفِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) مَا يُنْبِئُ عَنْ خَطَأِ هَذَا التَّأْوِيلِ ، مَعَ شَهَادَةِ الْحُجَّةِ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى تَخْطِئَتِهِ . وَذَلِكَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُفَسِّرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى " الصِّرَاطَ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، غَيْرُ الْمَعْنَى الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ : " إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ " مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ رَبَّهُ الْمَعُونَةَ عَلَى عِبَادَتِهِ . فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ " اهْدِنَا " إِنَّمَا هُوَ مَسْأَلَةُ الثَّبَاتِ عَلَى الْهُدَى فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمُرِهِ .
وَالْعَرَبُ تَقُولُ : هَدَيْتُ فُلَانًا الطَّرِيقَ ، وهَدَيْتُهُ لِلطَّرِيقِ ، وهَدَيْتُهُ إِلَى الطَّرِيقِ ، إِذَا أَرْشَدْتَهُ إِلَيْهِ وَسَدَّدْتَهُ لَهُ . وَبِكُلِّ ذَلِكَ جَاءَ الْقُرْآنُ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا ) سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 43 ، وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=121اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) سُورَةُ النَّحْلِ : 121 ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) .
وَكُلُّ ذَلِكَ فَاشٍ فِي مَنْطِقِهَا ، مَوْجُودٌ فِي كَلَامِهَا ، مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ :
أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ذَنْبًا لَسْتُ مُحْصِيَهُ ، رَبَّ الْعِبَادِ ، إِلَيْهِ الْوَجْهُ وَالْعَمَلُ
[ ص: 170 ]
يُرِيدُ : أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِذَنْبٍ ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=55وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ ) سُورَةُ غَافِرٍ : 55 .
وَمِنْهُ قَوْلُ
نَابِغَةَ بَنِي ذُبْيانَ :
فَيَصِيدُنَا الْعَيْرَ الْمُدِلَّ بِحُضْرِهِ قَبْلَ الْوَنَى وَالأَشْعَبَ النَبَّاحَا
يُرِيدُ : فَيَصِيدُ لَنَا . وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي أَشْعَارِهِمْ وَكَلَامِهِمْ ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا مِنْهُ كِفَايَةٌ .