قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : والله الذي مد الأرض ، فبسطها طولا وعرضا .
وقوله : ( وجعل فيها رواسي ) يقول جل ثناؤه : وجعل في الأرض جبالا ثابتة .
و "الرواسي " : جمع "راسية" وهي الثابتة ، يقال منه : "أرسيت الوتد في الأرض" : إذا أثبته ، كما قال الشاعر :
به خالدات ما يرمن وهامد وأشعث أرسته الوليدة بالفهر
يعني : أثبتته .وقوله : ( وأنهارا ) يقول : وجعل في الأرض أنهارا من ماء .
وقوله : ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين 30 ) ف ( من 30 ) في [ ص: 329 ] قوله ( ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ) من صلة ( جعل ) الثاني لا الأول .
ومعنى الكلام : وجعل فيها زوجين اثنين من كل الثمرات . وعني ب ( زوجين اثنين ) : من كل ذكر اثنان ، ومن كل أنثى اثنان ، فذلك أربعة ، من الذكور اثنان ، ومن الإناث اثنتان في قول بعضهم .
وقد بينا فيما مضى أن العرب تسمي الاثنين : ( زوجين ) ، والواحد من الذكور زوجا لأنثاه ، وكذلك الأنثى الواحدة "زوجا" وزوجة لذكرها ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
ويزيد ذلك إيضاحا قول الله عز وجل : ( وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى ) [ سورة النجم : 45 ] فسمى الاثنين الذكر والأنثى ( زوجين ) .
وإنما عنى بقوله : ( زوجين اثنين ) ، نوعين وضربين .
وقوله : ( يغشي الليل النهار ) ، يقول : يجلل الليل النهار فيلبسه ظلمته ، والنهار الليل بضيائه ، كما : -
20066 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( يغشي الليل النهار ) أي : يلبس الليل النهار .
وقوله : ( إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ) ، يقول تعالى ذكره : [ ص: 330 ] إن فيما وصفت وذكرت من عجائب خلق الله وعظيم قدرته التي خلق بها هذه الأشياء ، لدلالات وحججا وعظات ، لقوم يتفكرون فيها ، فيستدلون ويعتبرون بها ، فيعلمون أن العبادة لا تصلح ولا تجوز إلا لمن خلقها ودبرها دون غيره من الآلهة والأصنام التي لا تقدر على ضر ولا نفع ولا لشيء غيرها ، إلا لمن أنشأ ذلك فأحدثه من غير شيء تبارك وتعالى وأن القدرة التي أبدع بها ذلك ، هي القدرة التي لا يتعذر عليه إحياء من هلك من خلقه ، وإعادة ما فني منه وابتداع ما شاء ابتداعه بها .