قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ( وإن تعجب ) يا محمد ، من هؤلاء المشركين المتخذين ما لا يضر ولا ينفع آلهة يعبدونها من دوني فعجب قولهم ( أئذا كنا ترابا ) وبلينا فعدمنا ( أئنا لفي خلق جديد ) إنا لمجدد إنشاؤنا وإعادتنا خلقا جديدا كما كنا قبل وفاتنا!! تكذيبا منهم بقدرة الله ، وجحودا للثواب والعقاب والبعث بعد الممات ، كما : -
20128 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وإن تعجب فعجب ) إن عجبت يا محمد ، ( فعجب قولهم أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ) ، عجب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت .
20129 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( وإن تعجب فعجب قولهم ) قال : إن تعجب من تكذيبهم ، وهم قد رأوا من قدرة الله وأمره وما ضرب لهم من الأمثال ، فأراهم من حياة الموتى في الأرض الميتة ، إن تعجب من هذه فتعجب من قولهم : ( أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ) ، [ ص: 347 ] أولا يرون أنا خلقناهم من نطفة؟ فالخلق من نطفة أشد أم الخلق من تراب وعظام؟ .
واختلف في وجه تكرير الاستفهام في قوله : ( أئنا لفي خلق جديد ) ، بعد الاستفهام الأول في قوله : ( أئذا كنا ترابا ) ، أهل العربية .
فقال بعض نحويي البصرة : الأول ظرف ، والآخر هو الذي وقع عليه الاستفهام ، كما تقول : أيوم الجمعة زيد منطلق؟ قال : ومن أوقع استفهاما آخر على قوله : ( أئذا كنا ترابا ) ، جعله ظرفا لشيء مذكور قبله ، كأنهم قيل لهم : "تبعثون" فقالوا : ( أئذا كنا ترابا ) ؟ ثم جعل هذا استفهاما آخر . قال : وهذا بعيد . قال : وإن شئت لم تجعل في قولك : ( أئذا ) استفهاما ، وجعلت الاستفهام في اللفظ على ( أئنا ) ، كأنك قلت : أيوم الجمعة أعبد الله منطلق؟ وأضمرت نفيه . فهذا موضع ما ابتدأت فيه ب ( أئذا ) ، وليس بكثير في الكلام لو قلت : "اليوم إن عبد الله منطلق" لم يحسن ، وهو جائز ، وقد قالت العرب : "ما علمت إنه لصالح ، تريد : إنه لصالح ما علمت .
[ ص: 348 ] [ ص: 349 ] وقال غيره : ( أئذا ) جزاء وليست بوقت ، وما بعدها جواب لها ، إذا لم يكن في الثاني استفهام ، والمعنى له؛ لأنه هو المطلوب ، وقال : ألا ترى أنك تقول : "أإن تقم يقوم زيد ، ويقم؟" من جزم فلأنه وقع موقع جواب الجزاء ، ومن رفع فلأن الاستفهام له ، واستشهد بقول الشاعر :
حلفت له إن تدلج الليل لا يزل أمامك بيت من بيوتي سائر
فجزم جواب اليمين لأنه وقع موقع جواب الجزاء ، والوجه الرفع . قال : فهكذا هذه الآية . قال : ومن أدخل الاستفهام ثانية ، فلأنه المعتمد عليه ، وترك الجزاء الأول .وقوله : ( أولئك الذين كفروا بربهم ) يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين أنكروا البعث وجحدوا الثواب والعقاب ، وقالوا : ( أئذا كنا ترابا أئنا لفي خلق جديد ) [ ص: 350 ] هم الذين جحدوا قدرة ربهم وكذبوا رسوله ، وهم الذين في أعناقهم الأغلال يوم القيامة في نار جهنم ، فأولئك ( أصحاب النار ) ، يقول : هم سكان النار يوم القيامة ( هم فيها خالدون ) يقول : هم فيها ماكثون أبدا ، لا يموتون فيها ، ولا يخرجون منها .