القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28973_18003تأويل قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وبالوالدين إحسانا )
قال
أبو جعفر : وقوله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وبالوالدين إحسانا ) عطف على موضع "أن " المحذوفة في (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83لا تعبدون إلا الله ) . فكان معنى الكلام : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بأن لا تعبدوا إلا الله وبالوالدين إحسانا . فرفع ( لا تعبدون ) لما حذف "أن " ، ثم عطف بالوالدين على موضعها ، كما قال الشاعر :
معاوي إننا بشر فأسجح فلسنا بالجبال ولا الحديدا
[ ص: 291 ] فنصب "الحديدا " على العطف به على موضع "الجبال " ، لأنها لو لم تكن فيها "باء " خافضة كانت نصبا ، فعطف ب "الحديدا " على معنى "الجبال " ، لا على لفظها . فكذلك ما وصفت من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وبالوالدين إحسانا ) .
وأما "الإحسان " فمنصوب بفعل مضمر يؤدي معناه قوله : ( وبالوالدين ) ، إذ كان مفهوما معناه ، فكان معنى الكلام - لو أظهر المحذوف - : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل ، بأن لا تعبدوا إلا الله ، وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا ، فاكتفى بقوله : ( وبالوالدين ) من أن يقال : وبأن تحسنوا إلى الوالدين إحسانا ، إذ كان مفهوما أن ذلك معناه بما ظهر من الكلام .
وقد زعم بعض أهل العربية في ذلك أن معناه : وبالوالدين فأحسنوا إحسانا ، فجعل "الباء " التي في "الوالدين " من صلة الإحسان ، مقدمة عليه .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أن لا تعبدوا إلا الله ، وأحسنوا بالوالدين إحسانا . فزعموا أن "الباء " التي في "الوالدين " من صلة المحذوف - أعني أحسنوا - فجعلوا ذلك من كلامين . وإنما يصرف الكلام إلى ما ادعوا من ذلك ، إذا لم يوجد لاتساق الكلام على كلام واحد وجه . فأما وللكلام وجه مفهوم على اتساقه على كلام واحد ، فلا وجه لصرفه إلى كلامين . وأخرى : أن القول في ذلك لو كان على ما قالوا ، لقيل : وإلى الوالدين إحسانا ، لأنه إنما يقال : "أحسن
[ ص: 292 ] فلان إلى والديه " ولا يقال : أحسن بوالديه ، إلا على استكراه للكلام .
ولكن القول فيه ما قلنا ، وهو : وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل بكذا ، وبالوالدين إحسانا - على ما بينا قبل ، فيكون الإحسان حينئذ مصدرا من الكلام لا من لفظه ، كما بينا فيما مضى من نظائره .
فإن قال قائل : وما ذلك "الإحسان " الذي أخذ عليهم بالوالدين الميثاق؟ قيل : نظير ما فرض الله على أمتنا لهما من فعل المعروف لهما ، والقول الجميل ، وخفض جناح الذل رحمة بهما ، والتحنن عليهما ، والرأفة بهما ، والدعاء بالخير لهما ، وما أشبه ذلك من الأفعال التي ندب الله عباده أن يفعلوا بهما .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973_18003تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَقَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) عَطْفٌ عَلَى مَوْضِعِ "أَنِ " الْمَحْذُوفَةِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ ) . فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا . فَرَفَعَ ( لَا تَعْبُدُونَ ) لَمَّا حَذَفَ "أَنْ " ، ثُمَّ عَطَفَ بِالْوَالِدَيْنِ عَلَى مَوْضِعِهَا ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
مُعَاوِيَ إِنَّنَا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ فَلَسْنَا بِالْجِبَالِ وَلَا الْحَدِيدَا
[ ص: 291 ] فَنَصَبَ "الْحَدِيدَا " عَلَى الْعَطْفِ بِهِ عَلَى مَوْضِعِ "الْجِبَالِ " ، لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهَا "بَاءٌ " خَافِضَةٌ كَانَتْ نَصْبًا ، فَعَطَفَ بِ "الْحَدِيدَا " عَلَى مَعْنَى "الْجِبَالِ " ، لَا عَلَى لَفْظِهَا . فَكَذَلِكَ مَا وَصَفْتُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=83وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ) .
وَأَمَّا "الْإِحْسَانُ " فَمَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُ قَوْلُهُ : ( وَبِالْوَالِدَيْنِ ) ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا مَعْنَاهُ ، فَكَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ - لَوْ أُظْهِرَ الْمَحْذُوفُ - : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ، وَبِأَنْ تُحْسِنُوا إِلَى الْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ، فَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ : ( وَبِالْوَالِدَيْنِ ) مِنْ أَنْ يُقَالَ : وَبِأَنْ تُحْسِنُوا إِلَى الْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ، إِذْ كَانَ مَفْهُومًا أَنَّ ذَلِكَ مَعْنَاهُ بِمَا ظَهَرَ مِنَ الْكَلَامِ .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي ذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ : وَبِالْوَالِدَيْنِ فَأَحْسِنُوا إِحْسَانًا ، فَجَعَلَ "الْبَاءَ " الَّتِي فِي "الْوَالِدَيْنِ " مِنْ صِلَةِ الْإِحْسَانِ ، مُقَدَّمَةً عَلَيْهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ : أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ، وَأَحْسِنُوا بِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا . فَزَعَمُوا أَنَّ "الْبَاءَ " الَّتِي فِي "الْوَالِدَيْنِ " مِنْ صِلَةِ الْمَحْذُوفِ - أَعْنِي أَحْسِنُوا - فَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْ كَلَامَيْنِ . وَإِنَّمَا يُصْرَفُ الْكَلَامُ إِلَى مَا ادَّعَوْا مِنْ ذَلِكَ ، إِذَا لَمْ يُوجَدْ لِاتِّسَاقِ الْكَلَامِ عَلَى كَلَامٍ وَاحِدٍ وَجْهٌ . فَأَمَّا وَلِلْكَلَامِ وَجْهٌ مَفْهُومٌ عَلَى اتِّسَاقِهِ عَلَى كَلَامٍ وَاحِدٍ ، فَلَا وَجْهَ لِصَرْفِهِ إِلَى كَلَامَيْنِ . وَأُخْرَى : أَنَّ الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ لَوْ كَانَ عَلَى مَا قَالُوا ، لَقِيلَ : وَإِلَى الْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُقَالُ : "أَحْسَنَ
[ ص: 292 ] فُلَانٌ إِلَى وَالِدَيْهِ " وَلَا يُقَالُ : أَحْسَنَ بِوَالِدَيْهِ ، إِلَّا عَلَى اسْتِكْرَاهٍ لِلْكَلَامِ .
وَلَكِنِ الْقَوْلُ فِيهِ مَا قُلْنَا ، وَهُوَ : وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكَذَا ، وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا - عَلَى مَا بَيَّنَّا قَبْلُ ، فَيَكُونُ الْإِحْسَانُ حِينَئِذٍ مُصَدَّرًا مِنَ الْكَلَامِ لَا مِنْ لَفْظِهِ ، كَمَا بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى مِنْ نَظَائِرِهِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا ذَلِكَ "الْإِحْسَانُ " الَّذِي أَخَذَ عَلَيْهِمْ بِالْوَالِدَيْنِ الْمِيثَاقَ؟ قِيلَ : نَظِيرُ مَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى أُمَّتِنَا لَهُمَا مِنْ فِعْلِ الْمَعْرُوفِ لَهُمَا ، وَالْقَوْلِ الْجَمِيلِ ، وَخَفْضِ جَنَاحِ الذُّلِّ رَحْمَةً بِهِمَا ، وَالتَّحَنُّنِ عَلَيْهِمَا ، وَالرَّأْفَةِ بِهِمَا ، وَالدُّعَاءِ بِالْخَيْرِ لَهُمَا ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي نَدَبَ اللَّهُ عِبَادَهُ أَنْ يَفْعَلُوا بِهِمَا .