قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره ، مخبرا عن قيل موسى لقومه : يا قوم ( ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم ) ، يقول : خبر الذين من قبلكم من الأمم التي مضت قبلكم ( قوم نوح وعاد وثمود ) ، وقوم نوح مبين بهم عن "الذين" و " عاد " معطوف بها على " قوم نوح " ( والذين من بعدهم ) ، يعني من بعد قوم نوح وعاد وثمود ( لا يعلمهم إلا الله ) ، يقول : لا يحصي عددهم ولا يعلم مبلغهم إلا الله ، كما : -
20590 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون : ( وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ) ، قال : كذب النسابون . [ ص: 530 ]
20591 - حدثنا ابن بشار قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن ، بمثل ذلك . عبد الله بن مسعود
20592 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : أخبرنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون قال : حدثنا ابن مسعود ، أنه كان يقرؤها : "وعادا وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله" ثم يقول : كذب النسابون .
20593 - حدثني قال : حدثنا ابن المثنى إسحاق قال : حدثنا عيسى بن جعفر ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله ، مثله .
وقوله : ( جاءتهم رسلهم بالبينات ) ، يقول : جاءت هؤلاء الأمم رسلهم الذين أرسلهم الله إليهم بدعائهم إلى إخلاص العبادة له بالبينات يعني بحجج ودلالات على حقيقة ما دعوهم إليه من معجزات .
وقوله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك . فقال بعضهم : معنى ذلك : فعضوا على أصابعهم ، تغيظا عليهم في دعائهم إياهم إلى ما دعوهم إليه .
[ ص: 531 ] ذكر من قال ذلك :
20594 - حدثنا محمد بن بشار ، قالا : حدثنا ومحمد بن المثنى عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : عضوا عليها تغيظا .
20595 - حدثنا الحسن بن يحيى قال : أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، في قوله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : غيظا ، هكذا ، وعض يده .
20596 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : عضوها .
20597 - حدثني المثنى قال : حدثنا قال : حدثنا عبد الله بن رجاء البصري إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قول الله عز وجل : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : عضوا على أصابعهم . [ ص: 532 ]
20598 - حدثني المثنى قال : حدثنا الحماني قال : حدثنا شريك ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : عضوا على أطراف أصابعهم .
20599 - حدثنا قال : حدثنا محمد بن المثنى محمد بن جعفر قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : أن يجعل إصبعه في فيه .
20600 - حدثنا الحسن بن محمد ، قال حدثنا أبو قطن قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن هبيرة ، عن عبد الله في قول الله عز وجل : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، ووضع شعبة أطراف أنامله اليسرى على فيه .
20601 - حدثنا الحسن قال : حدثنا يحيى بن عباد قال : حدثنا شعبة قال : أخبرنا أبو إسحاق ، عن هبيرة قال : قال عبد الله ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : هكذا ، وأدخل أصابعه في فيه .
20602 - حدثنا الحسن قال : حدثنا عفان قال : حدثنا شعبة ، قال أبو إسحاق : أنبأنا عن هبيرة ، عن عبد الله أنه قال في هذه الآية : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال أبو علي : وأرانا عفان ، وأدخل أطراف أصابع كفه مبسوطة في فيه ، وذكر أن شعبة أراه كذلك .
[ ص: 533 ] 20603 - حدثنا أحمد قال : حدثنا أبو أحمد قال : حدثنا سفيان وإسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : عضوا على أناملهم . وقال سفيان : عضوا غيظا .
20604 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، فقرأ : " عضوا عليكم الأنامل من الغيظ " [ سورة آل عمران : 119 ] ، قال : هذا ، ( ردوا أيديهم في أفواههم ) . قال : أدخلوا أصابعهم في أفواههم . وقال : إذا اغتاظ الإنسان عض يده .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم لما سمعوا كتاب الله عجبوا منه ، ووضعوا أيديهم على أفواههم .
ذكر من قال ذلك :
20605 - حدثني محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم .
وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم كذبوهم بأفواههم .
ذكر من قال ذلك :
20606 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم قال : حدثنا [ ص: 534 ] عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ح وحدثني الحارث قال : حدثنا الحسن قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : ردوا عليهم قولهم وكذبوهم .
20607 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
20608 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ، عن ابن جريج مجاهد ، مثله .
20609 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم ) ، يقول : قومهم كذبوا رسلهم وردوا عليهم ما جاءوا به من البينات ، وردوا عليهم بأفواههم ، وقالوا : إنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب .
20610 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) ، قال : ردوا على الرسل ما جاءت به .
قال أبو جعفر : وكأن وجه قوله : ( مجاهدا فردوا أيديهم في أفواههم ) ، إلى معنى : ردوا أيادي الله التي لو قبلوها كانت أيادي ونعما عندهم ، فلم يقبلوها ووجه قوله : ( في أفواههم ) ، إلى معنى : بأفواههم ، يعني : بألسنتهم التي في أفواههم .
وقد ذكر عن بعض العرب سماعا : "أدخلك الله بالجنة" يعنون : في الجنة ، وينشد هذا البيت
[ ص: 535 ]
وأرغب فيها عن لقيط ورهطه ولكنني عن سنبس لست أرغب
يريد : وأرغب بها ، يعني بابنة له ، عن لقيط ، ولا أرغب بها عن قبيلتي .وقال آخرون : بل معنى ذلك أنهم كانوا يضعون أيديهم على أفواه الرسل ردا عليهم قولهم ، وتكذيبا لهم .
وقال آخرون : هذا مثل ، وإنما أريد أنهم كفوا عما أمروا بقوله من الحق ، ولم يؤمنوا به ولم يسلموا . وقال : يقال للرجل إذا أمسك عن الجواب فلم يجب : "رد يده في فمه" . وذكر بعضهم أن العرب تقول : "كلمت فلانا في حاجة فرد يده في فيه" إذا سكت عنه فلم يجب .
قال أبو جعفر : وهذا أيضا قول لا وجه له؛ لأن الله عز ذكره ، قد أخبر عنهم أنهم قالوا : " إنا كفرنا بما أرسلتم به " فقد أجابوا بالتكذيب .
قال أبو جعفر :
وأشبه هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية ، القول الذي ذكرناه عن : أنهم ردوا أيديهم في أفواههم ، [ ص: 536 ] فعضوا عليها ، غيظا على الرسل ، كما وصف الله جل وعز به إخوانهم من المنافقين ، فقال : ( عبد الله بن مسعود وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) [ سورة آل عمران : 119 ] . فهذا هو الكلام المعروف والمعنى المفهوم من "رد اليد إلى الفم" .
وقوله : ( وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ) ، يقول عز وجل : وقالوا لرسلهم : إنا كفرنا بما أرسلكم به من أرسلكم ، من الدعاء إلى ترك عبادة الأوثان والأصنام ( وإنا لفي شك ) من حقيقة ما تدعوننا إليه من توحيد الله ( مريب ) ، يقول : يريبنا ذلك الشك ، أي يوجب لنا الريبة والتهمة فيه .
يقال منه : "أراب الرجل" إذا أتى بريبة ، "يريب إرابة" .