القول في تأويل ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ( 2 ) ) قوله تعالى : (
اختلفت القراء في قراءة قوله ( ينزل الملائكة ) فقرأ ذلك عامة قراء المدينة والكوفة ( ينزل الملائكة ) بالياء وتشديد الزاي ونصب الملائكة ، بمعنى ينزل الله الملائكة بالروح . وقرأ ذلك بعض البصريين وبعض المكيين : ( ينزل الملائكة ) [ ص: 165 ] بالياء وتخفيف الزاي ونصب الملائكة . وحكي عن بعض الكوفيين أنه كان يقرؤه : " تنزل الملائكة" بالتاء وتشديد الزاي والملائكة بالرفع ، على اختلاف عنه في ذلك ، وقد روي عنه موافقة سائر قراء بلده .
وأولى القراءات بالصواب في ذلك عندي قراءة من قرأ ( ينزل الملائكة ) بمعنى : ينزل الله ملائكة . وإنما اخترت ذلك ، لأن ، فإضافة فعل ذلك إليه أولى وأحق واخترت ينزل بالتشديد على التخفيف ، لأنه تعالى ذكره كان ينزل من الوحي على من نزله شيئا بعد شيء ، والتشديد به إذ كان ذلك معناه ، أولى من التخفيف . الله هو المنزل ملائكته بوحيه إلى رسله
فتأويل الكلام : ينزل الله ملائكته بما يحيا به الحق ويضمحل به الباطل من أمره ( على من يشاء من عباده ) يعني على من يشاء من رسله ( أن أنذروا ) فإن الأولى في موضع خفض ، ردا على الروح ، والثانية في موضع نصب بأنذروا . ومعنى الكلام : ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ، بأن أنذروا عبادي سطوتي على كفرهم بي وإشراكهم في اتخاذهم معي الآلهة والأوثان ، فإنه لا إله إلا أنا ، يقول : لا تنبغي الألوهة إلا لي ، ولا يصلح أن يعبد شيء سواي ، فاتقون : يقول : فاحذروني بأداء فرائضي وإفراد العبادة وإخلاص الربوبية لي ، فإن ذلك نجاتكم من الهلكة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا المثنى ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( ينزل الملائكة بالروح ) يقول : بالوحي .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) يقول : ينزل الملائكة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : ثنا أبو [ ص: 166 ] حذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( بالروح من أمره ) أنه لا ينزل ملك إلا ومعه روح .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال قال ابن جريج ، مجاهد : قوله ( ينزل الملائكة بالروح من أمره ) قال : لا ينزل ملك إلا معه روح ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) قال : بالنبوة . قال : وسمعت أن الروح خلق من الملائكة نزل به الروح ( ابن جريج ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ) .
حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن أبيه ، عن الربيع بن أنس ، في قوله ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) قال : كل كلم تكلم به ربنا فهو روح منه ( وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ) . . . إلى قوله ( ألا إلى الله تصير الأمور ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( ينزل الملائكة بالروح من أمره ) يقول : ينزل بالرحمة والوحي من أمره ، ( على من يشاء من عباده ) فيصطفي منهم رسلا .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ) قال : بالوحي والرحمة .
وأما قوله ( أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) فقد بينا معناه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون ) إنما بعث الله المرسلين أن يوحد الله وحده ، ويطاع أمره ، ويجتنب سخطه .