[ ص: 185 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ( 16 ) )
اختلف أهل التأويل في المعني بالعلامات ، فقال بعضهم : عني بها معالم الطرق بالنهار .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) يعني بالعلامات : معالم الطرق بالنهار ، وبالنجم هم يهتدون بالليل .
وقال آخرون : عني بها النجوم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، يحيى ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) قال : منها ما يكون علامات ، ومنها ما يهتدون به .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) قال : منها ما يكون علامة ، ومنها ما يهتدى به .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا عن وكيع ، سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا قبيصة ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم ، مثله .
قال المثنى : قال : ثنا إسحاق خالف قبيصة في الإسناد . وكيعا
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وعلامات وبالنجم هم يهتدون ) والعلامات : النجوم ، وإن الله تبارك وتعالى إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصلات : جعلها زينة للسماء ، وجعلها يهتدى بها ، وجعلها رجوما للشياطين . فمن تعاطى فيها غير ذلك ، فقد رأيه وأخطأ حظه وأضاع نصيبه وتكلف ما لا علم له به .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وعلامات ) قال النجوم .
[ ص: 186 ] وقال آخرون : عني بها الجبال .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن الكلبي ( وعلامات ) قال : الجبال .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : إن الله تعالى ذكره عدد على عباده من نعمه ، إنعامه عليهم بما جعل لهم من العلامات التي يهتدون بها في مسالكهم وطرقهم التي يسيرونها ، ولم يخصص بذلك بعض العلامات دون بعض ، فكل علامة استدل بها الناس على طرقهم ، وفجاج سبلهم ، فداخل في قوله ( وعلامات ) والطرق المسبولة : الموطوءة ، علامة للناحية المقصودة ، والجبال علامات يهتدى بهن إلى قصد السبيل ، وكذلك النجوم بالليل . غير أن الذي هو أولى بتأويل الآية أن تكون العلامات من أدلة النهار ، إذ كان الله قد فصل منها أدلة الليل بقوله ( وبالنجم هم يهتدون ) وإذا كان ذلك أشبه وأولى بتأويل الآية ، فالواجب أن يكون القول في ذلك ما قاله ابن عباس في الخبر الذي رويناه عن عطية عنه ، وهو أن العلامات معالم الطرق وأماراتها التي يهتدى بها إلى المستقيم منها نهارا ، وأن يكون النجم الذي يهتدى به ليلا هو الجدي والفرقدان ، لأن بها اهتداء السفر دون غيرها من النجوم .
فتأويل الكلام إذن : وجعل لكم أيها الناس علامات تستدلون بها نهارا على طرقكم في أسفاركم . ونجوما تهتدون بها ليلا في سبلكم .