اختلف أهل العربية في وجه دخول الفاء في قوله ( فمن الله ) فقال بعض البصريين : دخلت الفاء ، لأن "ما" بمنزلة "من" فجعل الخبر بالفاء . وقال بعض الكوفيين : "ما" في معنى جزاء ، ولها فعل مضمر ، كأنك قلت : ما يكن بكم من نعمة فمن الله ، لأن الجزاء لا بد له من فعل مجزوم ، إن ظهر فهو جزم ، وإن لم يظهر فهو مضمر ، كما قال الشاعر :
[ ص: 224 ]
إن العقل في أموالنا لا نضق به ذراعا وإن صبرا فنعرف للصبر
وقال : أراد : إن يكن العقل فأضمره . قال : وإن جعلت "ما بكم" في معنى الذي جاز ، وجعلت صلته بكم و"ما" في موضع رفع بقوله ( فمن الله ) وأدخل الفاء ، كما قال ( إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ) وكل اسم وصل مثل من و ما والذي ، فقد يجوز دخول الفاء في خبره لأنه مضارع للجزاء والجزاء قد يجاب بالفاء ، ولا يجوز أخوك فهو قائم ، لأنه اسم غير موصول ، وكذلك تقول : مالك لي ، فإن قلت : مالك ، جاز أن تقول : مالك فهو لي ، وإن ألقيت الفاء فصواب .وتأويل الكلام : ما يكن بكم في أبدانكم أيها الناس من عافية وصحة وسلامة ، وفي أموالكم من نماء ، فالله المنعم عليكم بذلك لا غيره ، لأن ذلك إليه وبيده ( ثم إذا مسكم الضر ) يقول : إذا أصابكم في أبدانكم سقم ومرض ، وعلة عارضة ، وشدة من عيش ( فإليه تجأرون ) يقول : فإلى الله تصرخون بالدعاء وتستغيثون به ، ليكشف ذلك عنكم ، وأصله : من جؤار الثور ، يقال منه : جأر الثور يجأر جؤارا ، وذلك إذا رفع صوتا شديدا من جوع أو غيره ، ومنه قول الأعشى :
وما أيبلي على هيكل بناه وصلب فيه وصارا
يراوح من صلوات الملي ك طورا سجودا وطورا جؤارا
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله ( فإليه تجأرون ) قال : تضرعون دعاء .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى ، قال : أخبرنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : الضر : السقم .