يقول تعالى ذكره : ولقد نعلم أن هؤلاء المشركين يقولون جهلا منهم : إنما يعلم محمدا هذا الذي يتلوه بشر من بني آدم ، وما هو من عند الله ، يقول الله تعالى ذكره مكذبهم في قيلهم ذلك : ألا تعلمون كذب ما تقولون ، إن لسان الذي تلحدون إليه : يقول : تميلون إليه بأنه يعلم محمدا أعجمي ، وذلك أنهم فيما ذكر كانوا يزعمون أن الذي يعلم محمدا هذا القرآن عبد رومي ، فلذلك قال تعالى ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) يقول : وهذا القرآن لسان عربي مبين .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل على اختلاف منهم في اسم الذي كان المشركون يزعمون أنه يعلم محمدا صلى الله عليه وسلم هذا القرآن من البشر ، فقال بعضهم : كان اسمه بلعام ، وكان قينا بمكة نصرانيا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أحمد بن محمد الطوسي ، قال : ثنا [ ص: 299 ] أبو عاصم ، قال : ثنا عن إبراهيم بن طهمان ، مسلم بن عبد الله الملائي ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم قينا بمكة ، وكان أعجمي اللسان ، وكان اسمه بلعام ، فكان المشركون يرون رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يدخل عليه ، وحين يخرج من عنده ، فقالوا : إنما يعلمه بلعام ، فأنزل الله تعالى ذكره ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) .
وقال آخرون : اسمه يعيش .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا أبي ، عن سفيان ، عن حبيب ، عن عكرمة ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يقرئ غلاما لبني المغيرة أعجميا ، قال سفيان : أراه يقال له : يعيش ، قال : فذلك قوله ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين )
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ) وقد قالت قريش : إنما يعلمه بشر ، عبد لبني الحضرمي يقال له يعيش ، قال الله تعالى : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) وكان يعيش يقرأ الكتب .
وقال آخرون : بل كان اسمه جبر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما بلغني كثيرا ما يجلس عند المروة إلى غلام نصراني يقال له جبر ، عبد لبني بياضة الحضرمي ، فكانوا يقولون : والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني غلام الحضرمي ، فأنزل الله تعالى في قولهم ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : قال ابن جريج ، عبد الله بن كثير : كانوا يقولون : إنما يعلمه نصراني على المروة ، ويعلم محمدا رومي يقولون اسمه جبر وكان صاحب كتب عبدا لابن الحضرمي ، قال الله تعالى ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) .
[ ص: 300 ] وقال آخرون : بل كانا غلامين اسم أحدهما يسار والآخر جبر .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : ثنا قال : أخبرنا عمرو بن عون ، هشيم ، عن حصين ، عن عبد الله بن مسلم الحضرمي : أنه كان لهم عبدان من أهل عير اليمن ، وكانا طفلين ، وكان يقال لأحدهما يسار ، والآخر جبر ، فكانا يقرآن التوراة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما جلس إليهما ، فقال كفار قريش : إنما يجلس إليهما يتعلم منهما ، فأنزل الله تعالى ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) .
حدثني المثنى ، قال : ثنا معن بن أسد ، قال : ثنا عن خالد بن عبد الله ، حصين ، عن عبد الله بن مسلم الحضرمي ، نحوه .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا ابن فضيل ، عن حصين ، عن عبد الله بن مسلم ، قال : كان لنا غلامان فكانا يقرآن كتابا لهما بلسانهما ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمر عليهما ، فيقوم يستمع منهما ، فقال المشركون : يتعلم منهما ، فأنزل الله تعالى ما كذبهم به ، فقال : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين )
وقال آخرون : بل كان ذلك سلمان الفارسي .
ذكر من قال ذلك : حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي ) كانوا يقولون : إنما يعلمه سلمان الفارسي .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء وحدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل وحدثني المثنى ، قال : أخبرنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله ، عن ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر ) قال : قول كفار قريش : إنما يعلم محمدا عبد ابن الحضرمي ، وهو صاحب كتاب ، يقول الله : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) .
وقيل : إن الذي قال ذلك رجل كاتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 301 ] ارتد عن الإسلام .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، قال : أخبرني أن الذي ذكر الله إنما يعلمه بشر ، إنما افتتن لأنه كان يكتب الوحي ، فكان يملي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : " سميع عليم " أو " عزيز حكيم " وغير ذلك من خواتم الآي ، ثم يشتغل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على الوحي ، فيستفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقول : أعزيز حكيم ، أو سميع عليم ، أو عزيز عليم؟ فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي ذلك كتبت فهو كذلك ، ففتنه ذلك ، فقال : إن سعيد بن المسيب : محمدا يكل ذلك إلي ، فأكتب ما شئت ، وهو الذي ذكر لي من الحروف السبعة . سعيد بن المسيب
واختلف القراء في قراءة قوله ( يلحدون ) فقرأته عامة قراء المدينة والبصرة ( لسان الذي يلحدون إليه ) بضم الياء من ألحد يلحد إلحادا ، بمعنى يعترضون ، ويعدلون إليه ، ويعرجون إليه ، من قول الشاعر :
قدني من نصر الخبيبين قدي ليس أميري بالشحيح الملحد
وقرأ ذلك عامة قراء أهل الكوفة : ( لسان الذي يلحدون إليه ) بفتح الياء ، يعني : يميلون إليه ، من لحد فلان إلى هذا الأمر يلحد لحدا ولحودا ، وهما عندي لغتان بمعنى واحد ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب فيهما الصواب . وقيل ( وهذا لسان عربي مبين ) يعني القرآن كما تقول العرب لقصيدة من الشعر يعرضها الشاعر : هذا لسان فلان ، تريد قصيدته ; كما قال الشاعر :
لسان السوء تهديها إلينا وحنت وما حسبتك أن تحينا
يعني باللسان القصيدة والكلمة .