القول في تأويل قوله تعالى : ( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا   وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا   ) 
يقول تعالى ذكره : وقل يا محمد  لهؤلاء المشركين الذين كادوا أن يستفزوك من الأرض ليخرجوك منها ( جاء الحق وزهق الباطل   ) . 
واختلف أهل التأويل في معنى الحق الذي أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلم المشركين أنه قد جاء ، والباطل الذي أمره أن يعلمهم أنه قد زهق ، فقال بعضهم : الحق : هو القرآن في هذا الموضع ، والباطل : هو الشيطان . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله ( وقل جاء الحق   ) قال : الحق : القرآن ( وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا   )  . 
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ،  قال : ثنا محمد بن ثور ،  عن معمر ،  عن قتادة   ( وقل جاء الحق   ) قال : القرآن ( وزهق الباطل   ) قال : هلك الباطل وهو الشيطان  . 
وقال آخرون : بل عنى بالحق جهاد المشركين وبالباطل الشرك . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج ،  عن  ابن جريج ،  قوله ( وقل جاء الحق   ) قال : دنا القتال ( وزهق الباطل   ) قال : الشرك وما هم فيه  .  [ ص: 538 ] 
حدثنا الحسن بن يحيى ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا الثوري ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد ،  عن أبي معمر ،  عن ابن مسعود ،  قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ، وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، فجعل يطعنها ويقول ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا   ) . 
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال : أمر الله تبارك وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يخبر المشركين أن الحق قد جاء ، وهو كل ما كان لله فيه رضا وطاعة ، وأن الباطل قد زهق : يقول : وذهب كل ما كان لا رضا لله فيه ولا طاعة مما هو له معصية وللشيطان طاعة ، وذلك أن الحق هو كل ما خالف طاعة إبليس ، وأن الباطل : هو كل ما وافق طاعته ، ولم يخصص الله عز ذكره بالخبر عن بعض طاعاته ، ولا ذهاب بعض معاصيه ، بل عم الخير عن مجيء جميع الحق ، وذهاب جميع الباطل ، وبذلك جاء القرآن والتنزيل ، وعلى ذلك قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشرك بالله ، أعني على إقامة جميع الحق ، وإبطال جميع الباطل . 
وأما قوله عز وجل ( وزهق الباطل   ) فإن معناه : ذهب الباطل ، من قولهم : زهقت نفسه : إذا خرجت وأزهقتها أنا ; ومن قولهم : أزهق السهم : إذا جاوز الغرض فاستمر على جهته ، يقال منه : زهق الباطل ، يزهق زهوقا ، وأزهقه الله : أي أذهبه . 
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثنا علي ،  قال : ثنا عبد الله ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس   ( إن الباطل كان زهوقا   ) يقول : ذاهبا . 
وقوله عز وجل ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين    ) يقول تعالى ذكره : وننزل عليك يا محمد  من القرآن ما هو شفاء يستشفى به من الجهل من الضلالة ، ويبصر به من العمى للمؤمنين ورحمة لهم دون الكافرين به ، لأن المؤمنين يعملون بما فيه من فرائض الله ، ويحلون حلاله ، ويحرمون حرامه فيدخلهم بذلك الجنة ، وينجيهم من عذابه ، فهو لهم رحمة ونعمة من الله ، أنعم بها عليهم ( ولا يزيد الظالمين إلا خسارا   ) يقول : ولا يزيد هذا الذي ننزل عليك من القرآن  [ ص: 539 ] الكافرين به إلا خسارا : يقول : إهلاكا ، لأنهم كلما نزل فيه أمر من الله بشيء أو نهي عن شيء كفروا به ، فلم يأتمروا لأمره ، ولم ينتهوا عما نهاهم عنه ، فزادهم ذلك خسارا إلى ما كانوا فيه قبل ذلك من الخسار ، ورجسا إلى رجسهم قبل . 
كما حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة ،  قوله ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين   ) إذا سمعه المؤمن انتفع به وحفظه ووعاه ( ولا يزيد الظالمين   ) به ( إلا خسارا   ) أنه لا ينتفع به ولا يحفظه ولا يعيه ، وإن الله جعل هذا القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين  . 
				
						
						
