القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28972_29434تأويل قوله جل ثناؤه : ( ولا الضالين ) .
قال
أبو جعفر : كان بعض
أهل البصرة يزعم أن " لا " مع " الضالين " أدخلت تتميما للكلام ، والمعنى إلغاؤها ، يستشهد على قيله ذلك ببيت
العجاج :
[ ص: 190 ] في بئر حور سرى وما شعر
ويتأوله بمعنى : في بئر حور سرى ، أي في بئر هلكة ، وأن " لا " بمعنى الإلغاء والصلة . ويعتل أيضا لذلك بقول
أبي النجم :
فما ألوم البيض أن لا تسخرا لما رأين الشمط القفندرا
وهو يريد : فما ألوم البيض أن تسخر وبقول
الأحوص :
ويلحينني في اللهو أن لا أحبه وللهو داع دائب غير غافل
يريد : ويلحينني في اللهو أن أحبه ، وبقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12ما منعك ألا تسجد ) سورة الأعراف : 12 ، يريد أن تسجد . وحكي عن قائل هذه المقالة أنه كان يتأول " غير " التي " مع "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7المغضوب عليهم " ، أنها بمعنى " سوى . فكأن معنى الكلام كان عنده : اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، الذين هم سوى المغضوب والضالين .
وكان بعض نحويي الكوفة يستنكر ذلك من قوله ، ويزعم أن " غير "
[ ص: 191 ] التي " مع المغضوب عليهم " ، لو كانت بمعنى سوى ، لكان خطأ أن يعطف عليها ب " لا " ، إذ كانت " لا " لا يعطف بها إلا على جحد قد تقدمها . كما كان خطأ قول القائل : "عندي سوى أخيك ولا أبيك " ، لأن سوى ليست من حروف النفي والجحود . ويقول : لما كان ذلك خطأ في كلام العرب ، وكان القرآن بأفصح اللغات من لغات العرب ، كان معلوما أن الذي زعمه القائل : أن "غير " مع "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7المغضوب عليهم " بمعنى : سوى المغضوب عليهم ، خطأ . إذ كان قد كر عليه الكلام ب " لا " . وكان يزعم أن " غير " هنالك إنما هي بمعنى الجحد . إذ كان صحيحا في كلام العرب ، وفاشيا ظاهرا في منطقها توجيه " غير " إلى معنى النفي ومستعملا فيهم : "أخوك غير محسن ولا مجمل " ، يراد بذلك أخوك لا محسن ، ولا مجمل ، ويستنكر أن تأتي " لا " بمعنى الحذف في الكلام مبتدأ ، ولما يتقدمها جحد . ويقول : لو جاز مجيئها بمعنى الحذف مبتدأ ، قبل دلالة تدل ذلك من جحد سابق ، لصح قول قائل قال : "أردت أن لا أكرم أخاك " ، بمعنى : أردت أن أكرم أخاك . وكان يقول : ففي شهادة أهل المعرفة بلسان العرب على تخطئة قائل ذلك ، دلالة واضحة على أن " لا " لا تأتي مبتدأة بمعنى الحذف ، ولما يتقدمها جحد . وكان يتأول في " لا " التي في بيت
العجاج ، الذي ذكرنا أن
البصري استشهد به ، بقوله : إنها جحد صحيح ، وأن معنى البيت : سرى في بئر لا تحير عليه خيرا ، ولا يتبين له فيها أثر عمل ، وهو لا يشعر بذلك ولا يدري به . من قولهم : "طحنت الطاحنة فما أحارت شيئا " ، أي لم يتبين لها أثر عمل . ويقول في سائر الأبيات الأخر ، أعني مثل بيت
أبي النجم : :
فما ألوم البيض أن لا تسخرا
إنما جاز أن تكون " لا " بمعنى الحذف ، لأن الجحد قد تقدمها في أول الكلام ، فكان الكلام الآخر مواصلا للأول ، كما قال الشاعر :
[ ص: 192 ] ما كان يرضى رسول الله فعلهم والطيبان أبو بكر ولا عمر
فجاز ذلك ، إذ كان قد تقدم الجحد في أول الكلام .
قال
أبو جعفر : وهذا القول الآخر أولى بالصواب من الأول ، إذ كان غير موجود في كلام العرب ابتداء الكلام من غير جحد تقدمه ب " لا " التي معناها الحذف ، ولا جائز العطف بها على " سوى " ، ولا على حرف الاستثناء . وإنما ل " غير " في كلام العرب معان ثلاثة : أحدها الاستثناء ، والآخر الجحد ، والثالث سوى . فإذا ثبت خطأ " لا " أن يكون بمعنى الإلغاء مبتدأ ، وفسد أن يكون عطفا على " غير " التي مع "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7المغضوب عليهم " ، لو كانت بمعنى " إلا " التي هي استثناء ، ولم يجز أيضا أن يكون عطفا عليها لو كانت بمعنى " سوى " ، وكانت " لا " موجودة عطفا بالواو التي هي عاطفة لها على ما قبلها - صح وثبت أن لا وجه ل " غير " ، التي مع "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7المغضوب عليهم " ، يجوز توجيهها إليه على صحة إلا بمعنى الجحد والنفي ، وأن لا وجه لقوله : " ولا الضالين " ، إلا العطف على "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غير المغضوب عليهم " .
فتأويل الكلام إذا - إذ كان صحيحا ما قلنا بالذي عليه استشهدنا - اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم ، لا المغضوب عليهم ولا الضالين .
فإن قال لنا قائل : ومن هؤلاء الضالون الذين أمرنا الله بالاستعاذة بالله أن يسلك بنا سبيلهم ، أو نضل ضلالهم ؟
قيل : هم الذين وصفهم الله في تنزيله فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل )
[ ص: 193 ] سورة المائدة : 77 .
فإن قال : وما برهانك على أنهم أولاء ؟
قيل :
207 - حدثنا
أحمد بن الوليد الرملي ، قال : حدثنا
عبد الله بن جعفر ، قال : حدثنا
سفيان بن عيينة ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
الشعبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن أبي حاتم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810032قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ولا الضالين " قال : النصارى .
208 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى ، أنبأنا
محمد بن جعفر ، أنبأنا
شعبة ، عن
سماك ، قال : سمعت
عباد بن حبيش يحدث ، عن
عدي بن حاتم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810033قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : "إن الضالين : النصارى " .
209 - حدثني
علي بن الحسن ، قال : حدثنا
مسلم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا
محمد بن مصعب ، عن
حماد بن سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك بن حرب ، عن
مري بن قطري ، عن
عدي بن حاتم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811901سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله : " ولا الضالين " ، قال : النصارى هم الضالون .
210 - حدثنا
حميد بن مسعدة السامي ، قال : حدثنا
بشر بن المفضل ، قال : حدثنا
الجريري ، عن
عبد الله بن شقيق :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811242أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محاصر وادي القرى قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الضالون : النصارى .
211 - حدثنا
يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابن علية ، عن
سعيد الجريري ، عن
عروة ، يعني ابن عبد الله بن قيس ، عن
عبد الله بن شقيق ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحوه .
[ ص: 194 ]
212 - حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : حدثنا
عبد الرزاق ، قال : أخبرنا
معمر ، عن
بديل العقيلي ، قال : أخبرني
عبد الله بن شقيق ، أنه أخبره من
nindex.php?page=hadith&LINKID=810034سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو بوادي القرى وهو على فرسه وسأله رجل من بني القين ، فقال : يا رسول الله ، من هؤلاء ؟ - قال : هؤلاء الضالون " ، يعني النصارى .
213 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثنا
خالد الواسطي ، عن
خالد الحذاء ، عن
عبد الله بن شقيق ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811243أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو محاصر وادي القرى وهو على فرس : من هؤلاء ؟ قال : الضالون . يعني النصارى .
214 - حدثنا
محمد بن حميد ، قال : حدثنا
مهران ، عن
سفيان ، عن
مجاهد : " ولا الضالين " قال :
النصارى .
215 - حدثنا
أبو كريب ، قال : حدثنا
عثمان بن سعيد ، عن
بشر بن عمارة ، قال : حدثنا
أبو روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس : " ولا الضالين " قال : وغير طريق
النصارى الذين أضلهم الله بفريتهم عليه . قال : يقول : فألهمنا دينك الحق ، وهو لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، حتى لا تغضب علينا كما غضبت على
اليهود ، ولا تضلنا كما أضللت
النصارى فتعذبنا بما تعذبهم به . يقول امنعنا من ذلك برفقك ورحمتك وقدرتك .
216 - حدثنا
القاسم ، قال : حدثنا
الحسين ، قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال : قال
ابن عباس : الضالين
النصارى .
[ ص: 195 ]
217 - حدثني
موسى بن هارون الهمداني ، قال : حدثنا
عمرو بن حماد ، قال : حدثنا
أسباط بن نصر ، عن
إسماعيل السدي في خبر ذكره عن
أبي مالك ، وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس - وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17058مرة الهمداني ، عن
ابن مسعود - وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " ولا الضالين " ، هم
النصارى .
218 - حدثني
أحمد بن حازم الغفاري ، قال : أخبرنا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عبيد الله بن موسى ، عن
أبي جعفر ، عن
ربيع : "ولا الضالين " ،
النصارى .
219 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى ، قال أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
عبد الرحمن بن زيد : "ولا الضالين " ،
النصارى .
220 - حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : حدثنا
عبد الرحمن بن زيد ، عن أبيه . قال : الضالين ،
النصارى .
قال
أبو جعفر : فكل حائد عن قصد السبيل ، وسالك غير المنهج القويم ، فضال عند العرب ، لإضلاله وجه الطريق . فلذلك سمى الله جل ذكره
النصارى ضلالا لخطئهم في الحق منهج السبيل ، وأخذهم من الدين في غير الطريق المستقيم .
فإن قال قائل : أوليس ذلك أيضا من صفة
اليهود ؟
قيل : بلى!
فإن قال : كيف خص
النصارى بهذه الصفة ، وخص
اليهود بما وصفهم به من أنهم مغضوب عليهم ؟
قيل : كلا الفريقين ضلال مغضوب عليهم ، غير أن الله جل ثناؤه وسم كل فريق منهم من صفته لعباده بما يعرفونه به ، إذا ذكره لهم أو أخبرهم عنه . ولم يسم واحدا من الفريقين إلا بما هو له صفة على حقيقته ، وإن كان له من صفات الذم زيادات عليه .
فيظن بعض أهل الغباء من القدرية أن في وصف الله جل ثناؤه
النصارى [ ص: 196 ] بالضلال ، بقوله : " ولا الضالين " ، وإضافته الضلال إليهم دون إضافة إضلالهم إلى نفسه ، وتركه وصفهم بأنهم المضللون ، كالذي وصف به
اليهود أنهم المغضوب عليهم - دلالة على صحة ما قاله إخوانه من جهلة القدرية ، جهلا منه بسعة كلام العرب وتصاريف وجوهه .
ولو كان الأمر على ما ظنه الغبي الذي وصفنا شأنه ، لوجب أن يكون شأن كل موصوف بصفة أو مضاف إليه فعل ، لا يجوز أن يكون فيه سبب لغيره ، وأن يكون كل ما كان فيه من ذلك لغيره سبب ، فالحق فيه أن يكون مضافا إلى مسببه ، ولو وجب ذلك ، لوجب أن يكون خطأ قول القائل : " تحركت الشجرة " ، إذ حركتها الرياح; و " اضطربت الأرض " ، إذ حركتها الزلزلة ، وما أشبه ذلك من الكلام الذي يطول بإحصائه الكتاب .
وفي قول الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) سورة يونس : 22 - بإضافته الجري إلى الفلك ، وإن كان جريها بإجراء غيرها إياها - ما دل على خطأ التأويل الذي تأوله من وصفنا قوله في قوله : " ولا الضالين " ، وادعائه أن في نسبة الله جل ثناؤه الضلالة إلى من نسبها إليه من
النصارى ، تصحيحا لما ادعى المنكرون : أن يكون لله جل ثناؤه في أفعال خلقه سبب من أجله وجدت أفعالهم ، مع إبانة الله عز ذكره نصا في آي كثيرة من تنزيله ، أنه المضل الهادي ، فمن ذلك قوله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون ) سورة الجاثية : 23 . فأنبأ جل ذكره أنه المضل الهادي دون غيره .
ولكن القرآن نزل بلسان العرب ، على ما قدمنا البيان عنه في أول الكتاب ، ومن شأن العرب إضافة الفعل إلى من وجد منه - وإن كان مسببه غير الذي وجد
[ ص: 197 ] منه - أحيانا ، وأحيانا إلى مسببه ، وإن كان الذي وجد منه الفعل غيره . فكيف بالفعل الذي يكتسبه العبد كسبا ، ويوجده الله جل ثناؤه عينا منشأة ؟ بل ذلك أحرى أن يضاف إلى مكتسبه; كسبا له ، بالقوة منه عليه ، والاختيار منه له - وإلى الله جل ثناؤه ، بإيجاد عينه وإنشائها تدبيرا .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28972_29434تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( وَلَا الضَّالِّينَ ) .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : كَانَ بَعْضُ
أَهْلِ الْبَصْرَةِ يَزْعُمُ أَنَّ " لَا " مَعَ " الضَّالِّينَ " أُدْخِلَتْ تَتْمِيمًا لِلْكَلَامِ ، وَالْمَعْنَى إِلْغَاؤُهَا ، يَسْتَشْهِدُ عَلَى قِيلِهِ ذَلِكَ بِبَيْتِ
الْعَجَاجِ :
[ ص: 190 ] فِي بِئْرِ حُورٍ سَرَى وَمَا شَعَرَ
وَيَتَأَوَّلُهُ بِمَعْنَى : فِي بِئْرِ حُورٍ سَرَى ، أَيْ فِي بِئْرِ هِلْكَةٍ ، وَأَنَّ " لَا " بِمَعْنَى الْإِلْغَاءِ وَالصِّلَةِ . وَيَعْتَلُ أَيْضًا لِذَلِكَ بِقَوْلِ
أَبِي النَّجْمِ :
فَمَا أَلُومُ الْبِيضَ أَنْ لَا تَسْخَرَا لَمَّا رَأَيْنَ الشَّمِطَ الْقَفَنْدَرَا
وَهُوَ يُرِيدُ : فَمَا أَلُومُ الْبِيضَ أَنْ تَسْخَرَ وَبُقُولِ
الْأَحْوَصِ :
وَيَلْحِيِنَنِي فِي اللَّهْوِ أَنْ لَا أُحِبَّهُ وَلِلَّهْوُ دَاعٍ دَائِبٌ غَيْرُ غَافِلِ
يُرِيدُ : وَيَلْحِينَنِي فِي اللَّهْوِ أَنْ أُحِبَّهُ ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ ) سُورَةَ الْأَعْرَافِ : 12 ، يُرِيدُ أَنْ تَسْجُدَ . وَحُكِيَ عَنْ قَائِلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ أَنَّهُ كَانَ يَتَأَوَّلُ " غَيْرَ " الَّتِي " مَعَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " ، أَنَّهَا بِمَعْنَى " سِوَى . فَكَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ كَانَ عِنْدَهُ : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، الَّذِينَ هُمْ سِوَى الْمَغْضُوبِ وَالضَّالِّينَ .
وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يَسْتَنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَيَزْعُمُ أَنَّ " غَيْرَ "
[ ص: 191 ] الَّتِي " مَعَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " ، لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى سِوَى ، لَكَانَ خَطَأً أَنْ يَعْطِفَ عَلَيْهَا بِ " لَا " ، إِذْ كَانَتْ " لَا " لَا يُعْطَفُ بِهَا إِلَّا عَلَى جَحْدٍ قَدْ تُقَدَّمَهَا . كَمَا كَانَ خَطَأً قَوْلُ الْقَائِلِ : "عِنْدِي سِوَى أَخِيكَ وَلَا أَبِيكَ " ، لِأَنَّ سِوَى لَيْسَتْ مِنْ حُرُوفِ النَّفْيِ وَالْجُحُودِ . وَيَقُولُ : لَمَّا كَانَ ذَلِكَ خَطَأٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَكَانَ الْقُرْآنُ بِأَفْصَحِ اللُّغَاتِ مِنْ لُغَاتِ الْعَرَبِ ، كَانَ مَعْلُومًا أَنَّ الَّذِي زَعَمَهُ الْقَائِلُ : أَنَّ "غَيْرِ " مَعَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " بِمَعْنَى : سِوَى الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، خَطَأٌ . إِذْ كَانَ قَدْ كَرَّ عَلَيْهِ الْكَلَامَ بِ " لَا " . وَكَانَ يَزْعُمُ أَنَّ " غَيْرِ " هُنَالِكَ إِنَّمَا هِيَ بِمَعْنَى الْجَحْدِ . إِذْ كَانَ صَحِيحًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَفَاشِيًا ظَاهِرًا فِي مَنْطِقِهَا تَوْجِيهُ " غَيْرِ " إِلَى مَعْنَى النَّفْيِ وَمُسْتَعْمِلًا فِيهِمْ : "أَخُوكَ غَيْرُ مُحْسِنٍ وَلَا مُجَمِّلٍ " ، يُرَادُ بِذَلِكَ أَخُوكَ لَا مُحْسِنٌ ، وَلَا مُجَمِّلٍ ، وَيُسْتَنْكَرُ أَنْ تَأْتِيَ " لَا " بِمَعْنَى الْحَذْفِ فِي الْكَلَامِ مُبْتَدَأً ، وَلَمَّا يَتَقَدَّمُهَا جَحْدٌ . وَيَقُولُ : لَوْ جَازَ مَجِيئُهَا بِمَعْنَى الْحَذْفِ مُبْتَدَأٌ ، قَبْلَ دَلَالَةٍ تَدُلُّ ذَلِكَ مِنْ جَحْدٍ سَابِقٍ ، لَصَحَّ قَوْلُ قَائِلٍ قَالَ : "أَرَدْتُ أَنْ لَا أُكْرِمَ أَخَاكَ " ، بِمَعْنَى : أَرَدْتُ أَنْ أُكْرِمَ أَخَاكَ . وَكَانَ يَقُولُ : فَفِي شَهَادَةِ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ عَلَى تَخْطِئَةِ قَائِلِ ذَلِكَ ، دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى أَنَّ " لَا " لَا تَأْتِي مُبْتَدَأَةً بِمَعْنَى الْحَذْفِ ، وَلَمَّا يَتَقَدَّمْهَا جَحْدٌ . وَكَانَ يَتَأَوَّلُ فِي " لَا " الَّتِي فِي بَيْتِ
الْعَجَّاجِ ، الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ
الْبَصْرِيَّ اسْتَشْهَدَ بِهِ ، بِقَوْلِهِ : إِنَّهَا جَحْدٌ صَحِيحٌ ، وَأَنَّ مَعْنَى الْبَيْتِ : سَرَى فِي بِئْرٍ لَا تُحِيرُ عَلَيْهِ خَيْرًا ، وَلَا يَتَبَيَّنُ لَهُ فِيهَا أَثَرُ عَمَلٍ ، وَهُوَ لَا يَشْعُرُ بِذَلِكَ وَلَا يَدْرِي بِهِ . مِنْ قَوْلِهِمْ : "طَحَنَتِ الطَّاحِنَةُ فَمَا أَحَارَتْ شَيْئًا " ، أَيْ لَمْ يُتَبَيَّنْ لَهَا أَثَرُ عَمَلٍ . وَيَقُولُ فِي سَائِرِ الْأَبْيَاتِ الْأُخَرِ ، أَعْنِي مِثْلَ بَيْتِ
أَبِي النَّجْمِ : :
فَمَا أَلُومُ الْبِيضَ أَنْ لَا تَسْخَرَا
إِنَّمَا جَازَ أَنْ تَكُونَ " لَا " بِمَعْنَى الْحَذْفِ ، لِأَنَّ الْجَحْدَ قَدْ تَقَدَّمَهَا فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ ، فَكَانَ الْكَلَامُ الْآخَرُ مُوَاصِلًا لِلْأَوَّلِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
[ ص: 192 ] مَا كَانَ يَرْضَى رَسُولُ اللَّهِ فِعْلَهُمُ وَالطَّيِّبَانِ أَبُو بَكْرٍ وَلَا عُمَرُ
فَجَازَ ذَلِكَ ، إِذْ كَانَ قَدْ تَقَدَّمَ الْجَحْدُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَهَذَا الْقَوْلُ الْآخَرُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ مِنَ الْأَوَّلِ ، إِذْ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ابْتِدَاءُ الْكَلَامِ مِنْ غَيْرِ جَحْدٍ تَقَدَّمَهُ بِ " لَا " الَّتِي مَعْنَاهَا الْحَذْفُ ، وَلَا جَائِزٌ الْعَطْفُ بِهَا عَلَى " سِوَى " ، وَلَا عَلَى حَرْفِ الِاسْتِثْنَاءِ . وَإِنَّمَا لِ " غَيْرَ " فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مَعَانٍ ثَلَاثَةٌ : أَحَدُهَا الِاسْتِثْنَاءُ ، وَالْآخِرُ الْجَحْدُ ، وَالثَّالِثُ سِوَى . فَإِذَا ثَبَتَ خَطَأُ " لَا " أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِلْغَاءِ مُبْتَدَأٌ ، وَفَسَدَ أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى " غَيْرِ " الَّتِي مَعَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " ، لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى " إِلَّا " الَّتِي هِيَ اسْتِثْنَاءٌ ، وَلَمْ يَجُزْ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَيْهَا لَوْ كَانَتْ بِمَعْنَى " سِوَى " ، وَكَانَتْ " لَا " مَوْجُودَةً عَطْفًا بِالْوَاوِ الَّتِي هِيَ عَاطِفَةٌ لَهَا عَلَى مَا قَبِلَهَا - صَحَّ وَثَبَتَ أَنْ لَا وَجْهَ لِ " غَيْرِ " ، الَّتِي مَعَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " ، يَجُوزُ تَوْجِيهُهَا إِلَيْهِ عَلَى صِحَّةِ إِلَّا بِمَعْنَى الْجَحْدِ وَالنَّفْيِ ، وَأَنْ لَا وَجْهَ لِقَوْلِهِ : " وَلَا الضَّالِّينَ " ، إِلَّا الْعَطْفُ عَلَى "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " .
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذًا - إِذْ كَانَ صَحِيحًا مَا قُلْنَا بِالَّذِي عَلَيْهِ اسْتَشْهَدْنَا - اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ، لَا الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ .
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : وَمَنْ هَؤُلَاءِ الضَّالُّونَ الَّذِينَ أَمَرَنَا اللَّهُ بِالِاسْتِعَاذَةِ بِاللَّهِ أَنْ يَسْلُكَ بِنَا سَبِيلَهُمْ ، أَوْ نَضِلَّ ضَلَالَهُمْ ؟
قِيلَ : هُمُ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ فِي تَنْزِيلِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ )
[ ص: 193 ] سُورَةَ الْمَائِدَةِ : 77 .
فَإِنْ قَالَ : وَمَا بُرْهَانُكَ عَلَى أَنَّهُمْ أُولَاءِ ؟
قِيلَ :
207 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْوَلِيدِ الرَّمْلِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=76عَدِيِّ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810032قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَلَا الضَّالِّينَ " قَالَ : النَّصَارَى .
208 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12166مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى ، أَنْبَأَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ ، أَنْبَأَنَا
شُعْبَةُ ، عَنْ
سِمَاكٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ
عَبَّادَ بْنَ حُبَيْشٍ يُحَدِّثُ ، عَنْ
عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=810033قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إِنَّ الضَّالِّينَ : النَّصَارَى " .
209 - حَدَّثَنِي
عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
مُسْلِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ مُصْعَبٍ ، عَنْ
حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16052سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ
مُرِّيِّ بْنِ قُطْرِيِّ ، عَنْ
عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ، قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811901سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ : " وَلَا الضَّالِّينَ " ، قَالَ : النَّصَارَى هُمُ الضَّالُّونَ .
210 - حَدَّثَنَا
حُمَيْدُ بْنُ مَسْعَدَةَ السَّامِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْجَرِيرِيُّ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=811242أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحَاصِرٌ وَادِيَ الْقُرَى قَالَ : قُلْتُ : مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الضَّالُّونَ : النَّصَارَى .
211 - حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13382ابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ
سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ ، عَنْ
عُرْوَةَ ، يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَحْوِهِ .
[ ص: 194 ]
212 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
مَعْمَرُ ، عَنْ
بُدَيْلٍ الْعُقَيْلِيِّ ، قَالَ : أَخْبَرَنِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ مَنْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=810034سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِوَادِي الْقُرَى وَهُوَ عَلَى فَرَسِهِ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ - قَالَ : هَؤُلَاءِ الضَّالُّونَ " ، يَعْنِي النَّصَارَى .
213 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
خَالِدُ الْوَاسِطِيُّ ، عَنْ
خَالِدٍ الْحِذَاءِ ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ ، nindex.php?page=hadith&LINKID=811243أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ مُحَاصِرٌ وَادِيَ الْقُرَى وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ : مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : الضَّالُّونَ . يَعْنِي النَّصَارَى .
214 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
مِهْرَانُ ، عَنْ
سُفْيَانَ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : " وَلَا الضَّالِّينَ " قَالَ :
النَّصَارَى .
215 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ ، عَنْ
بِشْرِ بْنِ عُمَارَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو رَوْقٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ : " وَلَا الضَّالِّينَ " قَالَ : وَغَيْرِ طَرِيقِ
النَّصَارَى الَّذِينَ أَضَلَّهُمُ اللَّهُ بِفِرْيَتِهِمْ عَلَيْهِ . قَالَ : يَقُولُ : فَأَلْهِمْنَا دِينَكَ الْحَقَّ ، وَهُوَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، حَتَّى لَا تَغْضَبَ عَلَيْنَا كَمَا غَضِبْتَ عَلَى
الْيَهُودِ ، وَلَا تُضِلَّنَا كَمَا أَضْلَلْتَ
النَّصَارَى فَتُعَذِّبَنَا بِمَا تُعَذِّبُهُمْ بِهِ . يَقُولُ امْنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ بِرِفْقِكَ وَرَحْمَتِكَ وَقُدْرَتِكَ .
216 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ : قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : الضَّالِّينَ
النَّصَارَى .
[ ص: 195 ]
217 - حَدَّثَنِي
مُوسَى بْنُ هَارُونَ الْهَمْدَانِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطُ بْنُ نَصْرٍ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ السُّدِّيِّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ عَنْ
أَبِي مَالِكٍ ، وَعَنْ
أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ - وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17058مُرَّةَ الْهَمْدَانِيِّ ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ - وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " وَلَا الضَّالِّينَ " ، هُمُ
النَّصَارَى .
218 - حَدَّثَنِي
أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ الْغِفَارِيُّ ، قَالَ : أَخْبَرْنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16527عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى ، عَنْ
أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ
رَبِيعٍ : "وَلَا الضَّالِّينَ " ،
النَّصَارَى .
219 - حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=17418يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ : "وَلَا الضَّالِّينَ " ،
النَّصَارَى .
220 - حَدَّثَنَا
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ . قَالَ : الضَّالِّينَ ،
النَّصَارَى .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : فَكُلُّ حَائِدٍ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ ، وَسَالِكٍ غَيْرَ الْمَنْهَجِ الْقَوِيمِ ، فَضَالٌّ عِنْدَ الْعَرَبِ ، لِإِضْلَالِهِ وَجْهَ الطَّرِيقِ . فَلِذَلِكَ سَمَّى اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ
النَّصَارَى ضُلَّالًا لِخَطَئِهِمْ فِي الْحَقِّ مَنْهَجَ السَّبِيلِ ، وَأَخْذِهِمْ مِنَ الدِّينِ فِي غَيْرِ الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَوَلَيْسَ ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ صِفَةِ
الْيَهُودِ ؟
قِيلَ : بَلَى!
فَإِنْ قَالَ : كَيْفَ خَصَّ
النَّصَارَى بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَخَصَّ
الْيَهُودَ بِمَا وَصَفَهُمْ بِهِ مِنْ أَنَّهُمْ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ ؟
قِيلَ : كِلَّا الْفَرِيقَيْنِ ضُلَّالٌ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ ، غَيْرَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَسَمَ كُلَّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ مَنْ صِفَتِهِ لِعِبَادِهِ بِمَا يَعْرِفُونَهُ بِهِ ، إِذَا ذَكَرَهُ لَهُمْ أَوْ أَخْبَرَهُمْ عَنْهُ . وَلَمْ يُسَمِّ وَاحِدًا مِنَ الْفَرِيقَيْنِ إِلَّا بِمَا هُوَ لَهُ صِفَةٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْ صِفَاتِ الذَّمِّ زِيَادَاتٌ عَلَيْهِ .
فَيَظُنُّ بَعْضُ أَهْلِ الْغَبَاءِ مِنَ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّ فِي وَصْفِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
النَّصَارَى [ ص: 196 ] بِالضَّلَالِ ، بِقَوْلِهِ : " وَلَا الضَّالِّينَ " ، وَإِضَافَتِهِ الضَّلَالَ إِلَيْهِمْ دُونَ إِضَافَةِ إِضْلَالِهِمْ إِلَى نَفْسِهِ ، وَتَرْكِهِ وَصْفَهُمْ بِأَنَّهُمُ الْمُضَلَّلُونَ ، كَالَّذِي وَصَفَ بِهِ
الْيَهُودَ أَنَّهُمُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ - دَلَالَةً عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَهُ إِخْوَانُهُ مِنْ جَهَلَةِ الْقَدَرِيَّةِ ، جَهْلًا مِنْهُ بِسَعَةِ كَلَامِ الْعَرَبِ وَتَصَارِيفَ وُجُوهِهِ .
وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا ظَنَّهُ الْغَبِيُّ الَّذِي وَصَفْنَا شَأْنَهُ ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ شَأْنُ كُلِّ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ أَوْ مُضَافٍ إِلَيْهِ فِعْلٌ ، لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ سَبَبٌ لِغَيْرِهِ ، وَأَنْ يَكُونَ كُلُّ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ سَبَبٌ ، فَالْحَقُّ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُضَافًا إِلَى مُسَبِّبِهِ ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ ، لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ خَطَأً قَوْلُ الْقَائِلِ : " تَحَرَّكَتِ الشَّجَرَةُ " ، إِذْ حَرَّكَتْهَا الرِّيَاحُ; وَ " اضْطَرَبَتِ الْأَرْضُ " ، إِذْ حَرَّكَتْهَا الزَّلْزَلَةُ ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَطُولُ بِإِحْصَائِهِ الْكِتَابَ .
وَفِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ) سُورَةَ يُونُسَ : 22 - بِإِضَافَتِهِ الْجَرْيَ إِلَى الْفُلْكِ ، وَإِنْ كَانَ جَرْيُهَا بِإِجْرَاءِ غَيْرِهَا إِيَّاهَا - مَا دَلَّ عَلَى خَطَأِ التَّأْوِيلِ الَّذِي تَأَوَّلَهُ مِنْ وَصَفْنَا قَوْلَهُ فِي قَوْلِهِ : " وَلَا الضَّالِّينَ " ، وَادِّعَائِهِ أَنَّ فِي نِسْبَةِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الضَّلَالَةَ إِلَى مَنْ نَسَبَهَا إِلَيْهِ مِنَ
النَّصَارَى ، تَصْحِيحًا لِمَا ادَّعَى الْمُنْكِرُونَ : أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ فِي أَفْعَالِ خَلْقِهِ سَبَبٌ مِنْ أَجْلِهِ وُجِدَتْ أَفْعَالُهُمْ ، مَعَ إِبَانَةِ اللَّهِ عَزَّ ذِكْرُهُ نَصًّا فِي آيٍ كَثِيرَةٍ مِنْ تَنْزِيلِهِ ، أَنَّهُ الْمُضِلُّ الْهَادِي ، فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=23أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ) سُورَةَ الْجَاثِيَةِ : 23 . فَأَنْبَأَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَنَّهُ الْمُضِلُّ الْهَادِي دُونَ غَيْرِهِ .
وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ نَزَلَ بِلِسَانِ الْعَرَبِ ، عَلَى مَا قَدَّمْنَا الْبَيَانَ عَنْهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ ، وَمِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ إِضَافَةُ الْفِعْلِ إِلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُ - وَإِنْ كَانَ مُسَبِّبُهُ غَيْرَ الَّذِي وُجِدَ
[ ص: 197 ] مِنْهُ - أَحْيَانًا ، وَأَحْيَانًا إِلَى مُسَبِّبِهِ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي وُجِدَ مِنْهُ الْفِعْلُ غَيْرَهُ . فَكَيْفَ بِالْفِعْلِ الَّذِي يَكْتَسِبُهُ الْعَبْدُ كَسْبًا ، وَيُوجِدُهُ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَيْنًا مُنْشَأَةً ؟ بَلْ ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ يُضَافَ إِلَى مُكْتَسِبِهِ; كَسْبًا لَهُ ، بِالْقُوَّةِ مِنْهُ عَلَيْهِ ، وَالِاخْتِيَارِ مِنْهُ لَهُ - وَإِلَى اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، بِإِيجَادِ عَيْنِهِ وَإِنْشَائِهَا تَدْبِيرًا .