يقول تعالى ذكره : وأما الغلام ، فإنه كان كافرا ، وكان أبواه مؤمنين ، فعلمنا أنه يرهقهما : يقول : يغشيهما طغيانا ، وهو الاستكبار على الله ، وكفرا به . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل ، وقد ذكر ذلك في بعض الحروف . وأما الغلام فكان كافرا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة : "وأما الغلام فكان كافرا" في حرف أبي ، وكان أبواه مؤمنين ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ) .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين ) وكان كافرا في بعض القراءة . وقوله : ( فخشينا ) وهي في مصحف عبد الله : " فخاف ربك أن يرهقهما طغيانا وكفرا"
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا أبو قتيبة ، قال : ثنا عبد الجبار بن عباس الهمداني ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " . والخشية والخوف توجههما العرب إلى معنى الظن ، وتوجه هذه الحروف إلى معنى العلم بالشيء الذي يدرك من غير جهة الحس والعيان . وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع ، بما أغنى عن إعادته . " الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافرا
وكان بعض أهل العربية من أهل البصرة يقول : معنى قوله ( خشينا ) في هذا الموضع : كرهنا ، لأن الله لا يخشى . وقال في بعض القراءات : فخاف ربك ، قال : وهو مثل خفت الرجلين أن يعولا وهو لا يخاف من ذلك أكثر من أنه يكرهه لهما .
وقوله : ( فأردنا أن يبدلهما ربهما ) : اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه جماعة من قراء المكيين المدنيين والبصريين : ( فأردنا أن يبدلهما ربهما ) . وكان [ ص: 86 ] بعضهم يعتل لصحة ذلك بأنه وجد ذلك مشددا في عامة القرآن ، كقول الله عز وجل : ( فبدل الذين ظلموا ) وقوله ( وإذا بدلنا آية مكان آية ) فألحق قوله : ( فأردنا أن يبدلهما ربهما ) وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة : ( فأردنا أن يبدلهما ) بتخفيف الدال . وكان بعض من قرأ ذلك كذلك من أهل العربية يقول : أبدل يبدل بالتخفيف وبدل يبدل بالتشديد : بمعنى واحد .
والصواب من القول في ذلك عندي : أنهما قراءتان متقاربتا المعنى ، قد قرأ بكل واحدة منهما جماعة من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وقيل : إن الله عز وجل أبدل أبوي الغلام الذي قتله صاحب موسى منه بجارية .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا قال : ثنا هاشم بن القاسم ، المبارك بن سعيد ، قال : ثنا عمرو بن قيس في قوله : ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ) قال : بلغني أنها جارية .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال أخبرني ابن جريج ، سليمان بن أمية أنه سمع يعقوب بن عاصم يقول : أبدلا مكان الغلام جارية .
قال : : وأخبرني ابن جريج عبد الله بن عثمان بن خشيم ، أنه سمع سعيد بن جبير يقول : أبدلا مكان الغلام جارية .
وقال آخرون : أبدلهما ربهما بغلام مسلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج عن أبي [ ص: 87 ] جريج ( فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما ) قال : كانت أمه حبلى يومئذ بغلام مسلم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة ، أنه ذكر الغلام الذي قتله الخضر ، فقال : قد فرح به أبواه حين ولد وحزنا عليه حين قتل ، ولو بقي كان فيه هلاكهما ، فليرض امرؤ بقضاء الله ، فإن قضاء الله للمؤمن فيما يكره خير له من قضائه فيما يحب .
وقوله : ( خيرا منه زكاة ) يقول : خيرا من الغلام الذي قتله صلاحا ودينا .
كما حدثنا القاسم ، ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قوله : ( ابن جريج ، فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة ) قال : الإسلام .
وقوله : ( وأقرب رحما ) اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معنى ذلك : وأقرب رحمة بوالديه وأبر بهما من المقتول .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر عن قتادة ( وأقرب رحما ) : أبر بوالديه .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وأقرب رحما ) ، أي أقرب خيرا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وأقرب أن يرحمه أبواه منهما للمقتول .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ( ابن جريج وأقرب رحما ) أرحم به منهما بالذي قتل الخضر .
وكان بعض أهل العربية يتأول ذلك : وأقرب أن يرحماه ، والرحم : مصدر رحمت ، يقال : رحمته رحمة ورحما . وكان بعض البصريين يقول : من الرحم والقرابة . وقد يقال : رحم ورحم مثل عسر وعسر ، وهلك وهلك ، واستشهد لقوله ذلك ببيت العجاج :
ولم تعوج رحم من تعوجا
ولا وجه للرحم في هذا الموضع ، لأن المقتول كان الذي أبدل الله منه والديه ولدا لأبوي المقتول ، فقرابتهما من والديه ، وقربهما منه في الرحم سواء . وإنما معنى ذلك : وأقرب من المقتول أن يرحم والديه فيبرهما كما قال قتادة : وقد يتوجه الكلام إلى أن يكون معناه . وأقرب أن يرحماه ، غير أنه لا قائل من أهل تأويل تأوله كذلك ، فإذ لم يكن فيه قائل ، فالصواب فيه ما قلنا لما بينا .