القول في تأويل قوله تعالى : ( حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا    ( 86 ) ) 
يقول تعالى ذكره : ( حتى إذا بلغ   ) ذو القرنين ( مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة   ) ، فاختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأه بعض قراء المدينة  والبصرة   ( في عين حمئة   ) بمعنى : أنها تغرب في عين ماء ذات حمأة ، وقرأته جماعة من قراء المدينة ،  وعامة قراء الكوفة   " في عين حامية " يعني أنها  [ ص: 96 ] تغرب في عين ماء حارة . 
واختلف أهل التأويل في تأويلهم ذلك على نحو اختلاف القراء في قراءته . 
ذكر من قال ( تغرب في عين حمئة   ) : حدثنا  محمد بن المثنى ،  قال : ثنا ابن أبى عدي ،  عن داود ،  عن عكرمة ،  عن ابن عباس   ( وجدها تغرب في عين حمئة   ) قال : ذات حمأة  . 
حدثنا الحسين بن الجنيد ،  قال : ثنا سعيد بن سلمة ،  قال : ثنا إسماعيل بن علية ،  عن عثمان بن حاضر ،  قال : سمعت  عبد الله بن عباس  يقول : قرأ معاوية هذه الآية ، فقال : "عين حامية " فقال ابن عباس   : إنها عين حمئة ، قال : فجعلا كعبا بينهما ، قال : فأرسلا إلى كعب الأحبار ، فسألاه ، فقال كعب : أما الشمس فإنها تغيب في ثأط ، فكانت على ما قال ابن عباس ،  والثأط : الطين  . 
حدثنا يونس ،  قال : أخبرنا ابن وهب ،  قال : ثني نافع بن أبي نعيم ،  قال : سمعت عبد الرحمن الأعرج  يقول : كان ابن عباس  يقول ( في عين حمئة   ) ثم فسرها . ذات حمأة ، قال نافع   : وسئل عنها كعب ،  فقال : أنتم أعلم بالقرآن مني ، ولكني أجدها في الكتاب تغيب في طينة سوداء . 
حدثني محمد بن سعد ،  قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس   ( وجدها تغرب في عين حمئة   ) قال : هي الحمأة  . 
حدثنا محمد بن عمرو ،  قال : ثنا أبو عاصم ،  قال : ثنا عيسى ،  عن ابن أبي نجيح ،  عن مجاهد   ( في عين حمئة   ) قال : ثأط  . 
حدثنا القاسم ،  قال : ثنا الحسين ،  قال : ثني حجاج  ، عن  ابن جريج ،  عن مجاهد  في قول الله عز ذكره ( تغرب في عين حمئة   ) قال : ثأطة  . 
قال : وأخبرني  عمرو بن دينار ،  عن عطاء بن أبي رباح ،  عن ابن عباس ،  قال : قرأت ( في عين حمئة   ) وقرأ عمرو بن العاص " في عين حامية " فأرسلنا إلى كعب   . فقال : إنها تغرب في حمأة طينة سوداء  . 
حدثنا بشر ،  قال : ثنا يزيد ،  قال : ثنا سعيد ،  عن قتادة   ( تغرب في عين حمئة   ) والحمئة : الحمأة السوداء  .  [ ص: 97 ] 
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ،  قال : ثنا مروان بن معاوية ،  عن ورقاء ،  قال : سمعت سعيد بن جبير ،  قال : كان ابن عباس  يقرأ هذا الحرف ( في عين حمئة   ) ويقول : حمأة سوداء تغرب فيها الشمس  . 
وقال آخرون : بل هي تغيب في عين حارة . 
ذكر من قال ذلك : 
حدثني علي ،  قال : ثنا عبد الله ،  قال : ثني معاوية ،  عن علي ،  عن ابن عباس   " وجدها تغرب في عين حامية " يقول : في عين حارة  . 
حدثنا يعقوب ،  قال : ثنا  ابن علية ،  عن أبي رجاء ،  قال : سمعت الحسن  يقول "في عين حامية " قال : حارة  . 
حدثنا الحسن ،  قال : أخبرنا عبد الرزاق ،  قال : أخبرنا معمر  ، عن الحسن ،  في قوله "في عين حامية" قال : حارة ، وكذلك قرأها الحسن   . 
والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : إنهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار ، ولكل واحدة منهما وجه صحيح ومعنى مفهوم ، وكلا وجهيه غير مفسد أحدهما صاحبه ، وذلك أنه جائز أن تكون الشمس تغرب في عين حارة ذات حمأة وطين ، فيكون القارئ في عين حامية بصفتها التي هي لها ، وهي الحرارة ، ويكون القارئ في عين حمئة واصفها بصفتها التي هي بها وهي أنها ذات حمأة وطين . وقد روي بكلا صيغتيها اللتين إنهما من صفتيها أخبار . 
حدثنا  محمد بن المثنى  ، قال : ثنا  يزيد بن هارون ،  قال : أخبرنا العوام ،  قال : ثني مولى  لعبد الله بن عمرو ،  عن عبد الله ،  قال : " نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الشمس حين غابت ، فقال : في نار الله الحامية ، في نار الله الحامية ، لولا ما يزعها من أمر الله لأحرقت ما على الأرض  " . 
حدثني الفضل بن داود الواسطي ،  قال : ثنا أبو داود ،  قال : ثنا محمد بن دينار ،  عن سعد بن أوس ،  عن مصدع ،  عن ابن عباس ،  عن أبي بن كعب  أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرأه : " حمئة 
وقوله : ( ووجد عندها قوما   ) ذكر أن أولئك القوم يقال لهم : ناسك   . 
وقوله : ( قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب   ) يقول : إما أن تقتلهم إن هم لم يدخلوا  [ ص: 98 ] في الإقرار بتوحيد الله ، ويذعنوا لك بما تدعوهم إليه من طاعة ربهم ( وإما أن تتخذ فيهم حسنا   ) يقول : وإما أن تأسرهم فتعلمهم الهدى وتبصرهم الرشاد . 
				
						
						
