القول في قال رب أنى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ( 8 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره : قال زكريا لما بشره الله بيحيى : ( رب أنى يكون لي غلام ) ومن أي وجه يكون لي ذلك ، وامرأتي عاقر لا تحبل ، وقد ضعفت من الكبر عن مباضعة النساء بأن تقويني على ما ضعفت عنه من ذلك ، وتجعل زوجتي ولودا ، فإنك القادر على ذلك وعلى ما تشاء ، أم بأن أنكح زوجة غير زوجتي العاقر ، يستثبت ربه الخبر ، عن الوجه الذي يكون من قبله له الولد ، الذي بشره الله به ، لا إنكارا منه صلى الله عليه وسلم حقيقة كون ما وعده الله من الولد ، وكيف يكون ذلك منه إنكارا لأن يرزقه الولد الذي بشره به ، وهو المبتدئ مسألة ربه ذلك بقوله ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ) بعد قوله ( إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ) .
وقال في ذلك : ما حدثني السدي موسى بن هارون ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن قال : نادى جبرائيل زكريا ( السدي ، إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ) فلما سمع النداء ، جاءه الشيطان فقال : يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله ، إنما هو من الشيطان يسخر بك ، ولو كان من الله أوحاه إليك كما يوحي إليك غيره من الأمر ، فشك وقال ( أنى يكون لي غلام ) يقول : من أين يكون ( وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر ) .
وقوله ( وقد بلغت من الكبر عتيا ) يقول : وقد عتوت من الكبر فصرت نحل العظام يابسها ، يقال منه للعود اليابس ، عوت عات وعاس ، وقد عتا يعتو عتيا وعتوا ، وعسى يعسو عسيا وعسوا ، وكل متناه إلى غايته في كبر أو فساد ، أو كفر ، فهو عات وعاس . [ ص: 150 ]
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قد علمت السنة كلها ، غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف ( وقد بلغت من الكبر عتيا ) أو ( عسيا ) .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثنى عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( وقد بلغت من الكبر عتيا ) قال : يعني بالعتي : الكبر . .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ; قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( عتيا ) قال : نحول العظم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( من الكبر عتيا ) قال : سنا ، وكان ابن بضع وسبعين سنة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وقد بلغت من الكبر عتيا ) قال : العتي : الذي قد عتا عن الولد فيما يرى نفسه لا يولد له .
- حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وقد بلغت من الكبر عتيا ) قال : هو الكبر .