القول في فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ( 11 ) ) تأويل قوله تعالى : (
يقول تعالى ذكره : فخرج زكريا على قومه من مصلاه حين حبس لسانه عن كلام الناس ، آية من الله له على حقيقة وعده إياه ما وعد . فكان يقول في معنى خروجه من محرابه ، ما حدثنا ابن جريج القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ( ابن جريج فخرج على قومه من المحراب ) قال : أشرف على قومه من المحراب .
قال أبو جعفر : وقد بينا معنى المحراب فيما مضى قبل ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( فخرج على قومه من المحراب ) قال : المحراب : مصلاه ، وقرأ : ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب )
وقوله : ( فأوحى إليهم ) يقول : أشار إليهم ، وقد تكون تلك الإشارة باليد وبالكتاب وبغير ذلك ، مما يفهم به عنه ما يريد . وللعرب في ذلك لغتان : وحى ، وأوحى فمن قال : وحى ، قال في يفعل : يحي; ومن قال : أوحى ، قال : يوحي ، وكذلك أومى وومى ، فمن قال : ومى ، قال في يفعل يمي; ومن قال أومى ، قال يومي .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي به أوحى إلى قومه ، فقال بعضهم : أوحى إليهم إشارة باليد .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( فأوحى ) : فأشار زكريا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله . [ ص: 154 ]
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عمن لا يتهم ، عن ( وهب بن منبه فأوحى إليهم ) قال : الوحي : الإشارة .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ( فأوحى إليهم ) قال : أومى إليهم .
وقال آخرون : معنى أوحى : كتب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمود بن خداش ، قال : ثنا عباد بن العوام ، عن سفيان بن حسين ، عن الحكم ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى ( فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ) قال : كتب لهم في الأرض .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن عن ابن أبي ليلى ، الحكم ( فأوحى إليهم ) قال : كتب لهم .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو ، قال : ثنا أسباط ، عن ( السدي فخرج على قومه من المحراب ) فكتب لهم في كتاب ( أن سبحوا بكرة وعشيا ) ، وذلك قوله ( فأوحى إليهم )
وقال آخرون : معنى ذلك : أمرهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ) قال : ما أدري كتابا كتبه لهم ، أو إشارة أشارها ، والله أعلم ، قال : أمرهم أن سبحوا بكرة وعشيا ، وهو لا يكلمهم .
وقوله ( أن سبحوا بكرة وعشيا ) قد بينت فيما مضى الوجوه التي ينصرف فيها التسبيح ، وقد يجوز في هذا الموضع أن يكون عنى به التسبيح الذي هو ذكر الله ، فيكون أمرهم بالفراغ لذكر الله في طرفي النهار بالتسبيح ، ويجوز أن يكون عنى به الصلاة ، فيكون أمرهم بالصلاة في هذين الوقتين .
وكان قتادة يقول في قوله ( فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ) قال : أومى إليهم أن صلوا بكرة وعشيا .