يقول تعالى ذكره : فولد لزكريا يحيى ، فلما ولد ، قال الله له : يا يحيى ، خذ هذا الكتاب بقوة ، يعني كتاب الله الذي أنزله على موسى ، وهو التوراة بقوة ، يقول : بجد .
كما حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( خذ الكتاب بقوة ) قال : بجد .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( خذ الكتاب بقوة ) قال : بجد .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله .
وقال ابن زيد في ذلك ما حدثني به يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( يا يحيى خذ الكتاب بقوة ) قال : القوة : أن يعمل ما أمره الله به ، ويجانب فيه ما نهاه الله عنه .
قال أبو جعفر : وقد بينت معنى ذلك بشواهده فيما مضى من كتابنا هذا ، في سورة آل عمران ، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله ( وآتيناه الحكم صبيا ) يقول تعالى ذكره : وأعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه قبل بلوغه أسنان الرجال .
وقد حدثنا أحمد بن منيع ، قال : ثنا قال : أخبرني عبد الله بن المبارك ، معمر ، ولم يذكره عن أحد في هذه الآية ( وآتيناه الحكم صبيا ) قال : بلغني أن الصبيان قالوا ليحيى : اذهب بنا نلعب ، فقال : ما للعب خلقت ، فأنزل الله ( وآتيناه الحكم صبيا ) .
وقوله ( وحنانا من لدنا ) يقول تعالى ذكره : ورحمة منا ومحبة له آتيناه الحكم صبيا . [ ص: 156 ]
وقد اختلف أهل التأويل في معنى الحنان ، فقال بعضهم : معناه : الرحمة ، ووجهوا الكلام إلى نحو المعنى الذي وجهناه إليه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( وحنانا من لدنا ) يقول : ورحمة من عندنا .
حدثنا قال : ثنا محمد بن المثنى ، محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن سماك ، عن عكرمة ، في هذه الآية ( وحنانا من لدنا ) قال : رحمة .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( وحنانا من لدنا ) قال : رحمة من عندنا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا جويبر ، عن الضحاك ، قوله ( وحنانا من لدنا ) قال : رحمة من عندنا لا يملك عطاءها غيرنا .
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ ، قال : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله ( وحنانا من لدنا ) يقول : رحمة من عندنا ، لا يقدر على أن يعطيها أحد غيرنا .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ورحمة من عندنا لزكريا ، آتيناه الحكم صبيا ، وفعلنا به الذي فعلنا .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وحنانا من لدنا ) يقول : رحمة من عندنا .
وقال آخرون : معنى ذلك : وتعطفا من عندنا عليه ، فعلنا ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( وحنانا من لدنا ) قال : تعطفا من ربه عليه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، مثله . [ ص: 157 ]
وقال آخرون : بل معنى الحنان : المحبة . ووجهوا معنى الكلام إلى : ومحبة من عندنا فعلنا ذلك .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة ، عن يحيى بن سعيد ، عن عكرمة ( وحنانا من لدنا ) قال : محبة عليه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وحنانا ) قال : أما الحنان فالمحبة .
وقال آخرون معناه تعظيما منا له .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو تميلة ، عن أبي حمزة ، عن جابر ، عن عطاء بن أبي رباح ( وحنانا من لدنا ) قال : تعظيما من لدنا . وقد ذكر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : لا أدري ما الحنان .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قال : أخبرني ابن جريج ، أنه سمع عمرو بن دينار عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : والله ما أدري ما حنانا .
وللعرب في حنانك لغتان : حنانك يا ربنا ، وحنانيك; كما قال طرفة بن العبد في حنانيك :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقال امرؤ القيس في اللغة الأخرى : [ ص: 158 ]
ويمنحها بنو شمجى بن جرم معيزهم حنانك ذا الحنان
وقد اختلف أهل العربية في "حنانيك" فقال بعضهم : هو تثنية "حنان" . وقال آخرون : بل هي لغة ليست بتثنية; قالوا : وذلك كقولهم : حواليك; وكما قال الشاعر :
ضربا هذا ذيك وطعنا وخضا
وقد سوى بين جميع ذلك الذين قالوا حنانيك تثنية ، في أن كل ذلك تثنية . وأصل ذلك أعني الحنان ، من قول القائل : حن فلان إلى كذا وذلك إذا ارتاح إليه واشتاق ، ثم يقال : تحنن فلان على فلان ، إذا وصف بالتعطف عليه والرقة به ، والرحمة له ، كما قال الشاعر :
تحنن علي هداك المليك فإن لكل مقام مقالا
بمعنى : تعطف علي . فالحنان : مصدر من قول القائل : حن فلان على فلان ، يقال منه : حننت عليه ، فأنا أحن عليه حنينا وحنانا ، ومن ذلك قيل لزوجة الرجل : حنته ، لتحننه عليها وتعطفه ، كما قال الراجز : [ ص: 159 ]
وليلة ذات دجى سريت ولم تضرني حنة وبيت
وقوله : ( وزكاة ) يقول تعالى ذكره : وآتينا يحيى الحكم صبيا ، وزكاة : وهو الطهارة من الذنوب ، واستعمال بدنه في طاعة ربه ، فالزكاة عطف على الحكم من قوله ( وآتيناه الحكم ) .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ( وزكاة ) قال : الزكاة : العمل الصالح .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن قوله ( وزكاة ) قال : الزكاة : العمل الصالح الزكي . ابن جريج ،
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله ( وزكاة ) يعني العمل الصالح الزاكي .
وقوله ( وكان تقيا ) يقول تعالى ذكره : وكان لله خائفا مؤديا فرائضه ، مجتنبا محارمه مسارعا في طاعته .
كما : حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وزكاة وكان تقيا ) قال : طهر فلم يعمل بذنب .
حدثني يونس ، قال : خبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله ( وزكاة وكان تقيا ) قال : أما الزكاة والتقوى فقد عرفهما الناس .