يقول تعالى ذكره : ( وإذا تتلى ) على الناس ( آياتنا ) التي أنزلناها على رسولنا محمد ( بينات ) ، يعني واضحات لمن تأملها وفكر فيها أنها أدلة على ما جعلها الله أدلة عليه لعباده ، ( قال الذين كفروا ) بالله وبكتابه وآياته ، وهم قريش ، ( للذين آمنوا ) فصدقوا به ، وهم أصحاب محمد ( أي الفريقين خير مقاما ) يعني بالمقام : موضع إقامتهم ، وهي مساكنهم ومنازلهم ( وأحسن نديا ) وهو المجلس ، يقال منه : ندوت القوم أندوهم ندوا : إذا جمعتهم في مجلس ، ويقال : هو في ندي قومه وفي ناديهم : بمعنى واحد ، ومن الندي قول حاتم : [ ص: 239 ]
ودعيت في أولي الندي ولم ينظر إلي بأعين خزر
وتأويل الكلام : وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ، قال الذين كفروا للذين آمنوا : أي الفريقين منا ومنكم أوسع عيشا ، وأنعم بالا وأفضل مسكنا ، وأحسن مجلسا ، وأجمع عددا وغاشية في المجلس ، نحن أم أنتم؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا قال : ثنا محمد بن بشار ، مؤمل ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن عن أبي ظبيان ، ابن عباس ، قوله ( خير مقاما وأحسن نديا ) قال : المقام : المنزل ، والندي : المجلس .
حدثنا قال : ثنا ابن المثنى ، ابن أبي عدي عن شعبة ، عن سليمان ، عن أبى ظبيان ، عن ابن عباس بمثله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) قال : المقام : المسكن ، والندي ، المجلس والنعمة والبهجة التي كانوا فيها ، وهو كما قال الله لقوم فرعون ، حين أهلكهم وقص شأنهم في القرآن فقال ( كم تركوا من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين ) فالمقام : المسكن والنعيم ، والندي : المجلس والمجمع الذي كانوا يجتمعون فيه ، وقال الله فيما قص على رسوله في أمر لوط إذ قال ( وتأتون في ناديكم المنكر ) ، والعرب تسمي المجلس : النادي . [ ص: 240 ]
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( وأحسن نديا ) يقول : مجلسا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله ( أي الفريقين ) قال : قريش تقولها لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ( وأحسن نديا ) قال : مجالسهم ، يقولونه أيضا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد ، نحوه .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في عيشهم خشونة ، وفيهم قشافة ، فعرض أهل الشرك بما تسمعون . قوله ( وأحسن نديا ) يقول : مجلسا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله ( أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) قال : الندي ، المجلس ، وقرأ قول الله تعالى ( فليدع ناديه ) قال : مجلسه .