يقول تعالى ذكره ( خلق الإنسان ) يعني آدم ( من عجل ) .
واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : من عجل في بنيته وخلقته ، كان من العجلة ، وعلى العجلة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان عن أشعث ، عن جعفر عن سعيد في قوله ( خلق الإنسان من عجل ) قال : لما نفخ فيه الروح في ركبتيه ذهب لينهض ، فقال الله : ( خلق الإنسان من عجل ) .
حدثنا موسى ، قال : ثنا عمرو قال : ثنا أسباط عن قال : لما نفخ فيه يعني في آدم الروح ، فدخل في رأسه عطس ، فقالت الملائكة : قل الحمد لله ، فقال : الحمد لله ، فقال الله له : رحمك ربك ، فلما دخل الروح في عينيه نظر إلى ثمار الجنة ، فلما دخل في جوفه اشتهى الطعام ، فوثب قبل أن تبلغ الروح رجليه عجلان إلى ثمار الجنة; فذلك حين يقول ( السدي خلق الإنسان من عجل ) يقول : خلق الإنسان عجولا .
حدثنا ابن عبد الأعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة ( خلق الإنسان من عجل ) قال : خلق عجولا . [ ص: 442 ] وقال آخرون : معناه : خلق الإنسان من عجل : أي من تعجيل في خلق الله إياه ومن سرعة فيه وعلى عجل ، وقالوا : خلقه الله في آخر النهار يوم الجمعة قبل غروب الشمس على عجل في خلقه إياه قبل مغيبها .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قول الله ( خلق الإنسان من عجل ) قال : قول آدم حين خلق بعد كل شيء آخر النهار من يوم خلق الخلق : فلما أحيا الروح عينيه ولسانه ورأسه ، ولم تبلغ أسفله ، قال : يا رب استعجل بخلقي قبل غروب الشمس .
حدثني الحارث قال ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن قال : قال ابن جريج مجاهد ( خلق الإنسان من عجل ) قال آدم حين خلق بعد كل شيء ثم ذكر نحوه ، غير أنه قال في حديثه : استعجل بخلقي فقد غربت الشمس .
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( خلق الإنسان من عجل ) قال : على عجل آدم آخر ذلك اليوم من ذينك اليومين ، يريد يوم الجمعة ، وخلقه على عجل ، وجعله عجولا .
وقال بعض أهل العربية من أهل البصرة ممن قال نحو هذه المقالة : إنما قال : ( خلق الإنسان من عجل ) وهو يعني أنه خلقه من تعجيل من الأمر ، لأنه قال ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ) قال : فهذا العجل . وقوله ( فلا تستعجلون ) إني سأريكم آياتي وعلى قول صاحب هذه المقالة يجب أن يكون كل خلق الله خلق على عجل ، لأن كل ذلك خلق بأن قيل له كن فكان . فإذا كان ذلك كذلك ، فما دون الأشياء كلها ، وكلها مخلوق من عجل ، وفي خصوص الله تعالى ذكره الإنسان بذلك الدليل الواضح على أن القول في ذلك غير الذي قاله صاحب هذه المقالة . وجه خصوص الإنسان إذا بذكر أنه خلق من عجل
[ ص: 443 ] وقال آخرون منهم : هذا من المقلوب ، وإنما خلق العجل من الإنسان ، وخلقت العجلة من الإنسان . وقالوا : ذلك مثل قوله ( ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ) وإنما هو لتنوء العصبة بها متثاقلة ، وقالوا : هذا وما أشبهه في كلام العرب كثير مشهور ، قالوا : وإنما كلم القوم بما يعقلون ، قالوا : وذلك مثل قولهم : عرضت الناقة ، وكقولهم : إذا طلعت الشعرى واستوت العود على الحرباء : أي استوت الحرباء على العود ، كقول الشاعر :
وتركب خيلا لا هوادة بينها وتشقى الرماح بالضياطرة الحمر
وكقول ابن مقبل :
حسرت كفي عن السربال آخذه فردا يجر على أيدي المفدينا
يريد : حسرت السربال عن كفي ، ونحو ذلك من المقلوب ، وفي إجماع أهل التأويل على خلاف هذا القول الكفاية المغنية عن الاستشهاد على فساده بغيره .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في تأويل ذلك عندنا الذي ذكرناه عمن قال معناه : خلق الإنسان من عجل في خلقه : أي على عجل وسرعة في ذلك ، وإنما قيل ذلك كذلك ، لأنه بودر بخلقه مغيب الشمس في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة ، وفي ذلك الوقت نفخ فيه الروح .
وإنما قلنا أولى الأقوال التي ذكرناها في ذلك بالصواب ، لدلالة قوله تعالى ( سأريكم آياتي فلا تستعجلون ) على ذلك .
وأن أبا كريب حدثنا قال : ثنا ابن إدريس قال : أخبرنا محمد بن [ ص: 444 ] عمرو عن أبي سلمة عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبي هريرة خلق الإنسان من عجل سأريكم آياتي فلا تستعجلون ) . إن في الجمعة لساعة يقللها ، قال لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله فيها خيرا إلا أتاه الله إياه فقال عبد الله بن سلام : قد علمت أي ساعة هي ، هي آخر ساعات النهار من يوم الجمعة ، قال الله (
حدثنا أبو كريب قال : ثنا المحاربي وعبدة بن سليمان وأسير بن عمرو عن محمد بن عمرو قال : ثنا أبو سلمة عن عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه ، وذكر كلام أبي هريرة بنحوه . عبد الله بن سلام
فتأويل الكلام إذا كان الصواب في تأويل ذلك ما قلنا بما به استشهدنا ( خلق الإنسان من عجل ) ولذلك يستعجل ربه بالعذاب ( سأريكم آياتي فلا تستعجلون ) أيها المستعجلون ربهم بالآيات القائلون لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم : بل هو شاعر ، فليأتنا بآية كما أرسل الأولون - آياتي كما أريتها من قبلكم من الأمم التي أهلكناها بتكذيبها الرسل ، إذا أتتها الآيات فلا تستعجلون ، يقول : فلا تستعجلوا ربكم ، فإنا سنأتيكم بها ونريكموها .
واختلفت القراء في قراءة قوله ( خلق الإنسان من عجل ) فقرأته عامة قراء الأمصار ( خلق الإنسان من عجل ) بضم الخاء على مذهب ما لم يسم فاعله . وقرأه حميد الأعرج ( خلق ) بفتحها ، بمعنى : خلق الله الإنسان ، والقراءة التي عليها قراء الأمصار ، هي القراءة التي لا أستجيز خلافها .
وقوله ( ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ) يقول تعالى ذكره : ويقول هؤلاء المستعجلون ربهم بالآيات والعذاب لمحمد صلى الله عليه وسلم : متى هذا الوعد : يقول : متى يجيئنا هذا الذي تعدنا من العذاب إن كنتم صادقين فيما تعدوننا به من ذلك . وقيل ( إن كنتم صادقين ) كأنهم قالوا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين به ، و " متى " في موضع نصب ؛ لأن معناه : أي وقت هذا الوعد وأي يوم هو فهو نصب على الظرف لأنه وقت .