القول في تأويل قوله تعالى : ( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون بل متعنا هؤلاء وآباءهم حتى طال عليهم العمر ( 44 ) )
يقول تعالى ذكره : ما لهؤلاء المشركين من آلهة تمنعهم من دوننا ، ولا جار يجيرهم من عذابنا ، إذا نحن أردنا عذابهم ، فاتكلوا على ذلك ، وعصوا رسلنا اتكالا منهم على ذلك ، ولكنا متعناهم بهذه الحياة الدنيا وآباءهم من قبلهم حتى [ ص: 449 ] طال عليهم العمر ، وهم على كفرهم مقيمون ، لا تأتيهم منا واعظة من عذاب ، ولا زاجرة من عقاب على كفرهم وخلافهم أمرنا ، وعبادتهم الأوثان والأصنام ، فنسوا عهدنا وجهلوا موقع نعمتنا عليهم ، ولم يعرفوا موضع الشكر ، وقوله ( أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها ) يقول تعالى ذكره : أفلا يرى هؤلاء المشركون بالله السائلو محمد صلى الله عليه وسلم الآيات المستعجلو بالعذاب ، أنا نأتي الأرض نخربها من نواحيها بقهرنا أهلها ، وغلبتناهم ، وإجلائهم عنها ، وقتلهم بالسيوف ، فيعتبروا بذلك ويتعظوا به ، ويحذروا منا أن ننزل من بأسنا بهم نحو الذي قد أنزلنا بمن فعلنا ذلك به من أهل الأطراف ، وقد تقدم ذكر القائلين بقولنا هذا ومخالفيه بالروايات عنهم في سورة الرعد ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
وقوله ( أفهم الغالبون ) يقول تبارك وتعالى : أفهؤلاء المشركون المستعجلو محمدا بالعذاب الغالبونا ، وقد رأوا قهرنا من أحللنا بساحته بأسنا في أطراف الأرضين ، ليس ذلك كذلك ، بل نحن الغالبون ، وإنما هذا تقريع من الله تعالى لهؤلاء المشركين به بجهلهم ، يقول : أفيظنون أنهم يغلبون محمدا ويقهرونه ، وقد قهر من ناوأه من أهل أطراف الأرض غيرهم .
كما حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله ( أفهم الغالبون ) يقول : ليسوا بغالبين ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الغالب .