القول في تأويل قوله تعالى : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون    ( 103 ) ) 
قال أبو جعفر   : يعني جل ثناؤه بقوله : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا   ) ، لو أن الذين يتعلمون من الملكين ما يفرقون به بين المرء وزوجه ، "آمنوا" فصدقوا الله ورسوله وما جاءهم به من عند ربهم ، و"اتقوا" ربهم فخافوه فخافوا عقابه ، فأطاعوه بأداء فرائضه وتجنبوا معاصيه - لكان جزاء الله إياهم ، وثوابه لهم على إيمانهم به وتقواهم إياه ، خيرا لهم من السحر وما اكتسبوا به ، "لو كانوا يعلمون" أن ثواب الله إياهم على ذلك  [ ص: 458 ] خير لهم من السحر ومما اكتسبوا به . وإنما نفى بقوله : ( لو كانوا يعلمون ) العلم عنهم : أن يكونوا عالمين بمبلغ ثواب الله ، وقدر جزائه على طاعته . 
و"المثوبة" في كلام العرب ، مصدر من قول القائل : أثبتك إثابة وثوابا ومثوبة" ، فأصل ذلك من : "ثاب إليك الشيء" بمعنى : رجع . ثم يقال : "أثبته إليك " أي ، رجعته إليك ورددته ، فكان معنى "إثابة الرجل الرجل على الهدية وغيرها" : إرجاعه إليه منها بدلا ورده عليه منها عوضا ، ثم جعل كل معوض غيره من عمله أو هديته أو يد له سلفت منه إليه : مثيبا له . ومنه "ثواب" الله عز وجل عباده على أعمالهم ، بمعنى إعطائه إياهم العوض والجزاء عليه ، حتى يرجع إليهم بدل من عملهم الذي عملوا له . 
وقد زعم بعض نحويي البصرة  أن قوله : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير   ) مما اكتفي - بدلالة الكلام على معناه - عن ذكر جوابه ، وأن معناه : ولو أنهم آمنوا واتقوا لأثيبوا ، ولكنه استغنى - بدلالة الخبر عن المثوبة - عن قوله : لأثيبوا . 
وكان بعض نحويي أهل البصرة  ينكر ذلك ، ويرى أن جواب قوله : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا   ) ، ( لمثوبة ) ، وأن "لو" إنما أجيبت "بالمثوبة" ، وإن كانت أخبر عنها بالماضي من الفعل لتقارب معناه من معنى "لإن" في أنهما جزاءان ، فإنهما جوابان للإيمان ، فأدخل جواب كل واحدة منهما على صاحبتها - فأجيبت "لو" بجواب "لإن" ، و"لإن" بجواب "لو" ، لذلك ، وإن اختلفت أجوبتهما ، فكانت "لو" من حكمها وحظها أن تجاب بالماضي من الفعل ، وكانت "لإن" من حكمها وحظها أن تجاب بالمستقبل من الفعل - لما وصفنا من تقاربهما؛ فكان يتأول معنى قوله : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا   ) : ولإن آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير .  [ ص: 459 ] 
وبما قلنا في تأويل "المثوبة" قال أهل التأويل . 
ذكر من قال ذلك : 
1717 - حدثنا الحسن بن يحيى  قال : أخبرنا عبد الرزاق  قال : أخبرنا معمر  ، عن قتادة  في قوله : ( لمثوبة من عند الله   ) ، يقول : ثواب من عند الله . 
1718 - حدثني يونس  قال : حدثنا عمرو  قال : حدثنا أسباط  ، عن  السدي   : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله   ) ، أما "المثوبة" فهو الثواب . 
1719 - حدثني المثنى  قال : حدثنا إسحاق  قال : حدثنا ابن أبي جعفر  ، عن أبيه ، عن الربيع   : ( ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير   ) ، يقول : لثواب من عند الله . 
				
						
						
