يقول تعالى ذكره : لمسكم فيما أفضتم فيه من شأن عائشة عذاب عظيم ، حين تلقونه بألسنتكم ، و " إذ " من صلة قوله " لمسكم " ويعني بقوله : ( تلقونه ) تتلقون الإفك الذي جاءت به العصبة من أهل الإفك ، فتقبلونه ، ويرويه بعضكم عن بعض يقال : تلقيت هذا الكلام عن فلان ، بمعنى أخذته منه ، وقيل ذلك ; لأن الرجل منهم فيما ذكر يلقى آخر ، فيقول : أوما بلغك كذا وكذا عن ليشيع عليها بذلك [ ص: 131 ] الفاحشة . وذكر أنها في قراءة عائشة؟ أبي : " إذ تتلقونه " بتاءين ، وعليها قراءة الأمصار ، غير أنهم قرءوها : ( تلقونه ) بتاء واحدة ; لأنها كذلك في مصاحفهم .
وقد روي عن عائشة في ذلك ، ما حدثني به محمد بن عبد الله بن عبد الحكم ، قال : ثنا خالد بن نزار ، عن نافع ، عن عن ابن أبي مليكة ، عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها كانت تقرأ هذه الآية : " إذ تلقونه بألسنتكم " تقول : إنما هو ولق الكذب ، وتقول : إنما كانوا يلقون الكذب . قال : وهي أعلم بما فيها أنزلت ، قال ابن أبي مليكة نافع : وسمعت بعض العرب يقول : الليق : الكذب .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا قال : ثنا يحيى بن واضح ، نافع بن عمر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر الجمحي ، عن عن ابن أبي مليكة ، عائشة ، أنها كانت تقرأ : " إذ تلقونه بألسنتكم " وهي أعلم بذلك وفيها أنزلت ، قال : هو من ولق الكذب . ابن أبي مليكة
قال أبو جعفر : وكأن عائشة وجهت معنى ذلك بقراءتها " تلقونه " بكسر اللام وتخفيف القاف ، إلى : إذ تستمرون في كذبكم عليها ، وإفككم بألسنتكم ، كما يقال : ولق فلان في السير فهو يلق : إذا استمر فيه ; وكما قال الراجز :
إن الجليد زلق وزملق جاءت به عنس من الشأم تلق
مجوع البطن كلابي الخلق
وقد روي عن العرب في الولق : الكذب : الألق ، والإلق : بفتح الألف وكسرها ، ويقال في فعلت منه : ألقت ، فأنا ألق ، وقال بعضهم :من لي بالمزرر اليلامق صاحب أدهان وألق وآلق
[ ص: 132 ] والقراءة التي لا أستجيز غيرها : ( إذ تلقونه ) على ما ذكرت من قراءة الأمصار ، لإجماع الحجة من القراء عليها .
وبنحو الذي قلنا من التأويل في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن عن ابن جريج ، مجاهد : ( إذ تلقونه بألسنتكم ) قال : تروونه بعضكم عن بعض .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( إذ تلقونه ) قال : تروونه بعضكم عن بعض .
قوله : ( وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ) يقول تعالى ذكره : وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم من الأمر الذي تروونه ، فتقولون : سمعنا أن عائشة فعلت كذا وكذا ، ولا تعلمون حقيقة ذلك ولا صحته ، ( وتحسبونه هينا ) وتظنون أن قولكم ذلك وروايتكموه بألسنتكم ، وتلقيكموه بعضكم عن بعض هين سهل ، لا إثم عليكم فيه ولا حرج ، ( وهو عند الله عظيم ) يقول : وتلقيكم ذلك كذلك وقولكموه بأفواهكم ، عند الله عظيم من الأمر ; لأنكم كنتم تؤذون به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحليلته .