القول في تأويل قوله تعالى : ( فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شيء قدير والله خلق كل دابة من ماء ( 45 ) )
اختلفت القراء في قراءة قوله : ( والله خلق كل دابة من ماء ) فقرأته عامة قراء الكوفة غير عاصم : " والله خالق كل دابة " . وقرأته عامة قراء المدينة والبصرة وعاصم : ( والله خلق كل دابة ) بنصب كل ، وخلق على مثال فعل ، وهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى ، وذلك أن الإضافة في قراءة من قرأ ذلك " خالق " تدل على أن معنى ذلك المضي ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وقوله : ( خلق كل دابة من ماء ) يعني : من نطفة ، ( فمنهم من يمشي على بطنه ) كالحيات وما أشبهها ، وقيل : إنما قيل : ( فمنهم من يمشي على بطنه ) والمشي لا يكون على البطن ; لأن المشي إنما يكون لما له قوائم على التشبيه وأنه لما خالط ما له قوائم ما لا قوائم له جاز ، كما قال : ( ومنهم من يمشي على رجلين ) كالطير ، ( ومنهم من يمشي على أربع ) كالبهائم .
فإن قال قائل : فكيف قيل : ( فمنهم من يمشي ) ، و " من " للناس ، وكل هذه [ ص: 204 ] الأجناس أو أكثرها لغيرهم؟ قيل : لأنه تفريق ما هو داخل في قوله : ( والله خلق كل دابة ) وكان داخلا في ذلك الناس وغيرهم ، ثم قال : ( فمنهم ) ، لاجتماع الناس والبهائم وغيرهم في ذلك واختلاطهم ، فكنى عن جميعهم كنايته عن بني آدم ، ثم فسرهم ب " من " ، إذ كان قد كنى عنهم كناية بني آدم خاصة ( يخلق الله ما يشاء ) يقول : يحدث الله ما يشاء من الخلق ( إن الله على كل شيء قدير ) يقول : إن الله على إحداث ذلك وخلقه ، وخلق ما يشاء من الأشياء غيره ، ذو قدرة لا يتعذر عليه شيء أراد .