يقول تعالى ذكره : وإذا ألقي هؤلاء المكذبون بالساعة من النار مكانا ضيقا ، قد قرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال ( دعوا هنالك ثبورا ) .
واختلف أهل التأويل في معنى الثبور ، فقال بعضهم : هو الويل .
[ ص: 245 ] ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس . في قوله : ( وادعوا ثبورا كثيرا ) يقول : ويلا .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ) يقول : لا تدعوا اليوم ويلا واحدا ، وادعوا ويلا كثيرا .
وقال آخرون : الثبور الهلاك .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله : ( لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ) الثبور : الهلاك .
قال أبو جعفر : والثبور في كلام العرب : أصله انصراف الرجل عن الشيء ، يقال منه : ما ثبرك عن هذا الأمر : أي ما صرفك عنه ، وهو في هذا الموضع دعاء هؤلاء القوم بالندم على انصرافهم عن طاعة الله في الدنيا ، والإيمان بما جاءهم به نبي الله صلى الله عليه وسلم حتى استوجبوا العقوبة منه ، كما يقول القائل : واندامتاه ، واحسرتاه على ما فرطت في جنب الله : وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول في قوله : ( دعوا هنالك ثبورا ) أي هلكة ، ويقول : هو مصدر من ثبر الرجل : أي أهلك ، ويستشهد لقيله في ذلك ببيت ابن الزبعرى :
إذ أجاري الشيطان في سنن الغي ومن مال ميله مثبورا
وقوله : ( لا تدعوا اليوم ) أيها المشركون ندما واحدا : أي مرة واحدة ، ولكن ادعوا ذلك كثيرا . وإنما قيل : ( لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا ) لأن الثبور مصدر ; والمصادر لا تجمع ، وإنما توصف بامتداد وقتها وكثرتها ، كما يقال : قعد قعودا طويلا وأكل أكلا كثيرا .
حدثنا محمد بن مرزوق ، قال : ثنا حجاج ، قال : ثنا حماد قال : ثنا علي بن زيد ، عن أنس بن مالك ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا تدعوا اليوم ثبورا واحدا وادعوا ثبورا كثيرا ) " . أول من يكسى حلة من النار إبليس ، [ ص: 246 ] فيضعها على حاجبيه ، ويسحبها من خلفه ، وذريته من خلفه ، وهو يقول : يا ثبوراه ، وهم ينادون : يا ثبورهم فيقال : (