يقول تعالى ذكره : يوم يرى هؤلاء الذين قالوا : ( لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا ) بتصديق محمد الملائكة ، فلا بشرى لهم يومئذ بخير ( ويقولون حجرا محجورا ) يعني أن الملائكة يقولون للمجرمين حجرا محجورا ، حراما محرما عليكم اليوم البشرى أن تكون لكم من الله ; ومن الحجر قول المتلمس :
[ ص: 255 ]
حنت إلى نخلة القصوى فقلت لها حجر حرام ألا تلك الدهاريس
ومنه قولهم : حجر القاضي على فلان ، وحجر فلان على أهله ; ومنه حجر الكعبة ، لأنه لا يدخل إليه في الطواف ، وإنما يطاف من ورائه ; ومنه قول الآخر .
فهممت أن ألقى إليها محجرا فلمثلها يلقى إليه المحجر
أي مثلها يركب منه المحرم .
واختلف أهل التأويل في المخبر عنهم بقوله : ( ويقولون حجرا محجورا ) ومن قائلوه؟ فقال بعضهم : قائلو ذلك الملائكة للمجرمين نحو الذي قلنا فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن عبد الرحمن المسروقي ، قال : ثنا أبو أسامة ، عن الأجلح ، قال : سمعت الضحاك بن مزاحم ، وسأله رجل عن قول الله ( ويقولون حجرا محجورا ) قال : تقول الملائكة : حراما محرما أن تكون لكم البشرى .
حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد ، قال : ثني أبي ، عن جدي ، عن الحسن ، عن قتادة ( ويقولون حجرا محجورا ) قال : هي كلمة كانت العرب تقولها ، كان الرجل إذا نزل به شدة قال : حجرا ، يقول : حراما محرما .
[ ص: 256 ] حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا ) لما جاءت زلازل الساعة ، فكان من زلازلها أن السماء انشقت ( فهي يومئذ واهية والملك على أرجائها ) على شفة كل شيء تشقق من السماء ، فذلك قوله : ( يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون ) : يعني الملائكة تقول للمجرمين حراما محرما أيها المجرمون أن تكون لكم البشرى اليوم حين رأيتمونا .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( يوم يرون الملائكة ) قال : يوم القيامة ( ويقولون حجرا محجورا ) قال : عوذا معاذا .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله ، وزاد فيه : الملائكة تقوله .
وقال آخرون : ذلك خبر من الله عن قيل المشركين إذا عاينوا الملائكة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثني الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ( ابن جريج يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا ) قال : كانت العرب إذا كرهوا شيئا قالوا حجرا ، فقالوا حين عاينوا الملائكة . قال ابن جريج : قال ابن جريج مجاهد : ( حجرا ) عوذا ، يستعيذون من الملائكة .
قال أبو جعفر : وإنما اخترنا القول الذي اخترنا في تأويل ذلك من أجل أن الحجر هو الحرام ، فمعلوم أن الملائكة هي التي تخبر أهل الكفر أن البشرى عليهم حرام . وأما الاستعاذة فإنها الاستجارة ، وليست بتحريم ، ومعلوم أن الكفار لا يقولون للملائكة حرام عليكم ، فيوجه الكلام إلى أن ذلك خبر عن قيل المجرمين للملائكة .