يقول تعالى ذكره : ودمرنا أيضا عادا وثمود وأصحاب الرس .
واختلف أهل التأويل في أصحاب الرس ، فقال بعضهم : أصحاب الرس من ثمود .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، قال : قال ابن جريج ابن عباس : ( وأصحاب الرس ) قال : قرية من ثمود .
وقال آخرون : بل هي قرية من اليمامة يقال لها الفلج .
ذكر من قال ذلك :
حدثني ، قال : ثنا يونس بن عبد الأعلى ابن وهب ، قال : ثنا جرير بن حازم ، قال : قال قتادة : الرس : قرية من اليمامة يقال لها الفلج .
[ ص: 270 ] حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ، قال ابن جريج عكرمة : أصحاب الرس بفلج هم أصحاب يس .
وقال آخرون : هم قوم رسوا نبيهم في بئر .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي بكر ، عن عكرمة ، قال : كان الرس بئرا رسوا فيها نبيهم .
وقال آخرون : هي بئر كانت تسمى الرس .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ( وأصحاب الرس ) قال : هي بئر كانت تسمى الرس .
حدثني محمد بن عمارة ، قال : ثنا ، قال : أخبرنا عبيد الله بن موسى إسرائيل ، عن أبي يحيى عن مجاهد في قوله : ( وأصحاب الرس ) قال : الرس بئر كان عليها قوم .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ، قول من قال : هم قوم كانوا على بئر ، وذلك أن الرس في كلام العرب : كل محفور مثل البئر والقبر ونحو ذلك ; ومنه قول الشاعر :
سبقت إلى فرط باهل تنابلة يحفرون الرساسا
يريد أنهم يحفرون المعادن ، ولا أعلم قوما كانت لهم قصة بسبب حفرة ، ذكرهم الله في كتابه إلا أصحاب الأخدود ، فإن يكونوا هم المعنيين بقوله : ( وأصحاب الرس ) فإنا سنذكر خبرهم إن شاء الله إذا انتهينا إلى سورة البروج ، وإن يكونوا غيرهم فلا نعرف لهم خبرا ، إلا ما جاء من جملة الخبر عنهم أنهم قوم رسوا نبيهم في حفرة .
إلا ما حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " محمد بن كعب القرظي إن أول الناس يدخل [ ص: 271 ] الجنة يوم القيامة العبد الأسود " . وذلك أن الله تبارك وتعالى بعث نبيا إلى أهل قرية فلم يؤمن من أهلها أحد إلا ذلك الأسود ، ثم إن أهل القرية عدوا على النبي عليه السلام ، فحفروا له بئرا فألقوه فيها ، ثم أطبقوا عليه بحجر ضخم ، قال : وكان ذلك العبد يذهب فيحتطب على ظهره ، ثم يأتي بحطبه فيبيعه ، فيشتري به طعاما وشرابا ، ثم يأتي به إلى ذلك البئر ، فيرفع تلك الصخرة ، فيعينه الله عليها ، فيدلي إليه طعامه وشرابه ، ثم يعيدها كما كانت ، قال : فكان كذلك ما شاء الله أن يكون . ثم إنه ذهب يوما يحتطب ، كما كان يصنع ، فجمع حطبه ، وحزم حزمته وفرغ منها ; فلما أراد أن يحتملها وجد سنة ، فاضطجع فنام ، فضرب الله على أذنه سبع سنين نائما . ثم إنه هب فتمطى ، فتحول لشقه الآخر ، فاضطجع ، فضرب الله على أذنه سبع سنين أخرى . ثم إنه هب فاحتمل حزمته ، ولا يحسب إلا أنه نام ساعة من نهار ، فجاء إلى القرية فباع حزمته ، ثم اشترى طعاما وشرابا كما كان يصنع ثم ذهب إلى الحفرة في موضعها التي كانت فيه فالتمسه فلم يجده ، وقد كان بدا لقومه فيه بداء ، فاستخرجوه وآمنوا به وصدقوه ، قال : فكان النبي عليه السلام يسألهم عن ذلك الأسود ما فعل؟ فيقولون : ما ندري ، حتى قبض الله النبي ، فأهب الله الأسود من نومته بعد ذلك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن ذلك الأسود لأول من يدخل الجنة " غير أن هؤلاء في هذا الخبر يذكر محمد بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهم آمنوا بنبيهم واستخرجوه من حفرته ، فلا ينبغي أن يكونوا المعنيين بقوله : ( وأصحاب الرس ) لأن الله أخبر عن أصحاب الرس أنه دمرهم تدميرا ، إلا أن يكونوا دمروا بأحداث أحدثوها بعد نبيهم الذي استخرجوه من الحفرة وآمنوا به ، فيكون ذلك وجها ( وقرونا بين ذلك كثيرا ) يقول : ودمرنا بين أضعاف هذه الأمم التي سميناها لكم أمما كثيرة .
كما حدثنا الحسن بن شبيب ، قال : ثنا خلف بن خليفة ، عن جعفر بن علي بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : خلفت بالمدينة عمي ممن يفتي على أن القرن سبعون سنة ، وكان عمه عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي رضي الله عنه .
حدثنا عمرو بن عبد الحميد ، قال : ثنا عن حفص بن غياث ، الحجاج ، عن [ ص: 272 ] الحكم ، عن إبراهيم قال : القرن أربعون سنة .
وقوله : ( وكلا ضربنا له الأمثال ) يقول تعالى ذكره : وكل هذه الأمم التي أهلكناها التي سميناها لكم أو لم نسمها ضربنا له الأمثال يقول : مثلنا له الأمثال ونبهناها على حججنا عليها ، وأعذرنا إليها بالعبر والمواعظ ، فلم نهلك أمة إلا بعد الإبلاغ إليهم في المعذرة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( وكلا ضربنا له الأمثال ) قال : كل قد أعذر الله إليه ، ثم انتقم منه .
وقوله : ( وكلا تبرنا تتبيرا ) يقول تعالى ذكره : وكل هؤلاء الذين ذكرنا لكم أمرهم استأصلناهم ، فدمرناهم بالعذاب إبادة ، وأهلكناهم جميعا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الحسن ، في قوله : ( وكلا تبرنا تتبيرا ) قال : تبر الله كلا بعذاب تتبيرا .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ( وكلا تبرنا تتبيرا ) قال : تتبير بالنبطية .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، قال : قال ، قوله : ( ابن جريج وكلا تبرنا تتبيرا ) قال : بالعذاب .