يقول تعالى ذكره : والذين يبيتون لربهم يصلون لله ، يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام . وقوله : ( وقياما ) جمع قائم ، كما الصيام جمع صائم ( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ) يقول تعالى ذكره : والذين يدعون الله أن يصرف عنهم عقابه وعذابه حذرا منه ووجلا . وقوله : ( إن عذابها كان غراما ) يقول : إن عذاب جهنم كان غراما ملحا دائما لازما غير مفارق من عذب به من الكفار ، ومهلكا له . ومنه قولهم : رجل مغرم ، من الغرم والدين . ومنه قيل للغريم غريم لطلبه حقه ، وإلحاحه على صاحبه فيه . ومنه قيل للرجل المولع للنساء : إنه لمغرم بالنساء ، وفلان مغرم بفلان : إذا لم يصبر عنه ; ومنه قول الأعشى :
إن يعاقب يكن غراما وإن يع ط جزيلا فإنه لا يبالي
يقول : إن يعاقب يكن عقابه عقابا لازما ، لا يفارق صاحبه مهلكا له ، وقول [ ص: 297 ] بشر بن أبي خازم :
ويوم النسار ويوم الجفا ر كان عقابا وكان غراما
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي بن الحسن اللاني ، قال : أخبرنا المعافى بن عمران الموصلي ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب في قوله : ( إن عذابها كان غراما ) قال : إن الله سأل الكفار عن نعمه ، فلم يردوها إليه ، فأغرمهم ، فأدخلهم النار .
قال : ثنا المعافى ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن ، في قوله : ( إن عذابها كان غراما ) قال : قد علموا أن كل غريم مفارق غريمه إلا غريم جهنم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إن عذابها كان غراما ) قال : الغرام : الشر .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ، في قوله : ( ابن جريج إن عذابها كان غراما ) قال : لا يفارقه .
وقوله ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) يقول : إن جهنم ساءت مستقرا ومقاما ، يعني بالمستقر : القرار ، وبالمقام : الإقامة ; كأن معنى الكلام : ساءت جهنم منزلا [ ص: 298 ] ومقاما . وإذا ضمت الميم من المقام فهو من الإقامة ، وإذا فتحت فهو من قمت ، ويقال : المقام إذا فتحت الميم أيضا هو المجلس ، ومن المقام بضم الميم بمعنى الإقامة ، قول سلامة بن جندل :
يومان : يوم مقامات وأندية ويوم سير إلى الأعداء تأويب
ومن المقام الذي بمعنى المجلس ، قول عباس بن مرداس :
فأيي ما وأيك كان شرا فقيد إلى المقامة لا يراها
يعني : المجلس .